وصلة من الردح وفرش الملاءات ..
السادة والسيدات ..
إلى كل من دخل حياتي يومًا وتبول فيها ثم خرج مرتاح الضمير غير مأسوف عليه ..
لقد اتبعت نصائحكم ..
نعم .. تحولت الآن إلى كل ما كنتم تتمنون ..
خطيبتي الأولى مثلا ..
كنتِ دائمًا تتهمينني بنقص الخبرة .. مبررة هذا بكونك أكبر مني سنًا ..
الآن مررت بخبرات عديدة تعجزين حتى عن تخيلها .. ولم تمري بها حتمًا في وظيفتك الحكومية السخيفة التي تعملين فيها يومين أسبوعيًا بإجمالي 4 ساعات !
اطمئني .. لم أعد الطيب الأبله الذي عرفته دائمًا .. والذي لا يستطيع الابتسام في وجه من لا يطيق ..
تحولت إلى شيطان حقيقي .. أدبر المكائد .. وأضرب تحت الحزام .. وأدمر من يقف في طريقي بلا رحمة .. وأنا أبتسم في وجهه بل وأعامله بمنتهى اللطف والملائكية !
كنتِ تقولين أني متهور .. لأني أقول آرائي مباشرة ودون مواربة أو تزيين ..
الآن أصبحت واحدًا من أعتى المنافقين .. ولن تسمعي عني إلا أني "محترم وفي حالي" .. صفة غريبة عني أليس كذلك ؟ اعتدت دومًا أن يصفني الناس أني "مجنون وبتاع مشاكل وقليل الأدب" .. لقد أحسنتِ تعليمي .. وأصبحت أجيد مداراة مشاعري وآراءي بشكل رائع !
ولم أعد أمنح ثقتي لأحد .. والفضل في هذا ليس لكِ في الواقع .. بل لخطيبتي الثانية ..
لماذا تتذمرين ؟ أتركي المجال لها وأفسحي الطريق لمنافسيكِ ولتكن روحك رياضية ..
خطيبتي الثانية .. أهلًا .. بالحب الحب .. الشوق الشوق ..
ما فعلته بي كان ملهمًا في الواقع ..
أن أظل عامين كاملين "أدلدق" حبًا وعواطف كإني خزان مثقوب .. متخيلًا أني وجدت نصفي الآخر .. وآن وقت الاستقرار أخيرًا !
ثم يتضح في النهاية أنك كنتِ تمتصين مني الطاقة لا أكثر ولا أقل .. لتعوضي ما حدث لك في تجاربك السابقة ..
عامان كاملان من الاستنزاف العاطفي .. حتى استعدت ثقتك بنفسك التي سلبك إياها من هجروكِ من قبل ..
ثم حين انتفت الحاجة لي .. وعادت إليك الحياة والثقة .. وتوقفت عن البكاء على أتفه الأمور .. اكتشفتِ فجأة أني كئيب تخين بنضارة ولا أصلح لكِ ..
واكتشفت أن "أنا كنت فاكرة إني بحبك بس طلع مش حقيقي" .. هكذا .. ببساطة ..
لا .. لست غاضبًا منكِ .. بالعكس !!
لقد ألهمتني !!
فبعد الشلوت الذي أعطيتني إياه بمنتهى السعادة .. قررت أن أقف وقفة مهمة !
توقفت عن الاتصال بأي أحد ..
لم أعد الشخص الذي يسأل عن الآخرين دائمًا .. والذي يجمع الشلة كل أسبوع على القهوة !
وظللت منتظرًا لأعرف .. من الذي يحبني حقًا وسيصمم على وجودي في حياته ؟ ومن يعتبرني ثقيلًا على حياته مثلك لكنه يخفي هذا .. وسيعتبر اختفائي فرصة للهرب !
وكانت المفاجأة !!
أكثر من 90% ممن أعرفهم هربوا !
فجأة أصبحت حياتي فارغة كفؤاد أم موسى عليه السلام !
رحل الجميع تقريبًا .. واكتشفت أنهم مثلك .. لا يطيقونني لكنهم يحاولون التحمل ربما على سبيل الشفقة ..
فكما ترين .. كان هجرك لي مفيدًا ..
أنتِ تستمتعين بما سرقته مني من طاقة .. وربما ينبهر شخص أوسم وأغنى مني بالحياة والثقة التي "تبظ" منكِ كما تبظ التومية من ساندوتش الشاورما .. ويتقدم لخطبتك ..
وأنا استفدت بخروج من لا يطيقونني من حياتي !
والآن أصبحت لا أثق بأحد بفضلك .. نضجت ولم أعد ساذجًا يخدعني أحد بكلمات معسولة !
لم أعد أصدق الكلمات .. فقد سمعت منكِ أعذب الكلام وأحلاه واتضح أنه كذب مبين !
تحولت إلى جبل جليدي .. قد يمدحني ألف شخص .. لكن هذا لا يحرك شعرة في رأسي .. لأني عرفت أن الكلام قد يتغير في دقيقة إلى العكس تمامًا !!
كنتِ تقولين أن شخصيتي ضعيفة وأقل شيء يؤثر في مشاعري .. ما رأيك الآن وقد تحولت إلى صخرة بلا مشاعر ؟
أصدقائي .. رفاق الكفاح والليالي الملاح .. شركاء الدراسة والنشاطات الثقافية وقعدات السلطنة على القهاوي ..
الرفاق الذين كنت أؤمن أننا سنكون معًا دائمًا ..
كان الجميع بما فيهم خطيبتاي السابقتان يقولون لي أن الأصدقاء لا يدومون .. وأن من يخطب منهم أو يسافر خارج البلاد سيختفي وتنتهي الصداقة ..
كنت أضحك ساخرًا .. وأقول أني سافرت وخطبت مرتين .. ولم أقطع علاقتي بأحد .. لأن علاقتي بأصدقائي أقوى من أن تنقطع .. وأننا شلة مختلفة ..
لكني فوجئت أن كل من يرتبط أو يخطب أو يتزوج يختفي تمامًا !
وكل من يبتعد بعمله عن المدينة حتى لو كان إلى مدينة مجاورة ويعود إلى بيته يوميًا .. يختفي تمامًا !
ولا يظهر أحد منهم في حياتي إلا إذا كان يواجه المشاكل .. أو يحتاج مني شيئًا !!
نعم .. كل شخص يمر بأي هموم يبحث عني ليفرغ همومه في حجري .. ثم يعود إلى بيته مستريح الضمير !
أي أنهم يعاملونني معاملة الكابينيه .. يجلس ليخرج فضلاته ثم يغسل مؤخرته ويخرج منتعشًا !
قل لي .. هل اهتممت يومًا بالكابينيه دون أن تحتاج له ؟ لا ؟ كنت أعرف !
لذا لا بد أن أشكرهم أيضًا .. فقد جعلوني أدرك كم أنا أحمق .. وجدعًا إلى درجة البلاهة ..
لذا قررت أن أغلق المحبس .. وأتوقف عن هذه الجدعنة المبالغ فيها ..
خاصة وأن من تحل مشاكله يختفي فجأة .. لأنه كما قلت لك .. لن تذهب للكابينيه دون أن تكون مزنوقًا ..
وحين قررت ألا ألعب دور المراحيض العامة مجددًا .. وصلت إلى مرحلة السلام النفسي ..
فلا أحد يتصل بي .. ولا أنا أتصل بأحد .. واكتشفت جمال الانطوائية والانعزال عن البشر ..
ولم أكن لأصل لهذا السلام النفسي إلا بمجهودات مؤخراتكم التي لطالما أمطرت على رأسي ..
توقفت أيضًا عن الأحلام والطموح ..
كنتم دائمًا تقولون لي أن أحلامي كبيرة .. وأني أضع أملًا في مشاريع ثقافية مستحيلة التحقيق .. وتحاولون جاهدين إثنائي عنها ..
ها أنا قد توقفت ويئست .. وتحولت إلى شخص كئيب ثقيل الظل لا يهتم بأحد ولا طموح له ..
حققت ما تريدون وتوقفت عن تصديعكم بأحلامي .. وقررت أن أكبر دماغي حتى أموت ..
ومسك الختام ..
المؤسسة الخيرية التنموية التي عملت معها في مالاوي ..
كنت أحلم دائمًا أن تكون مهنتي كمهندس في خدمة الفقراء .. وظننت أني سأحقق هذا معكم ..
ودون تفاصيل لجرائمكم لأني للأسف كنت مشاركًا فيها رغمًا عني .. وأنتم تعرفون التفاصيل ..
أشكركم لتحطيم هذا الحلم الأخير على صخرة الواقع .. ولتوضيح أن الخير غير موجود في الدنيا .. وأن الجميع يرون الدنيا "مصلحة نطلع منها بقرشين" .. حتى لو كانت في مجاهل أفريقيا ..
أشكركم جميعًا يا سادة ..
أشكركم لتحويلي إلى عديم مشاعر عديم الأحلام عديم الأخلاق وكابينيه سابق ..
أشكركم على جعلي أمر بكل هذا قبل سن الثلاثين .. وها أنا جالس وحدي كالكلب العقور أنتظر النهاية في صبر ..
وأرجو أن تكونوا سعداء في حياتكم بعدما دمرتم حياتي .. وأن تطفحوا السعادة في كل لحظة مع كل لقمة تأكلونها ..

