فن الخطوبة !
منذ نحو 14 قرنًا .. أصدر الصيني "سون تزو" كتابًا عبقريًا يدعى (فن الحرب) . يتكون من 6000 مقطع مقسمين إلى 13 فصلًا !
اعتبر هذا الكتاب مرجعًا هامًا لاستراتيجيات الحرب , وترجم لجميع اللغات تقريبًا !
حسن .. مع كامل احترامي للفقيد "سون تزو" .. هناك فن يستحق كتابًا أكبر .. وأظنه كان سينتشر بشكل أوسع ..
هل عرفته ؟ نعم .. فن الخطوبة .. لا تتظاهر بالذكاء فأنت عرفته من عنوان المقال !
قل لي .. منذ 1400 عام .. كم حربًا قامت ؟ وبالمثل كم خطوبة تمت ؟ لا مجال للمقارنة حتمًا !
هنا عزيزي القارئ أبدأ أول مقال من أطروحتي العبقرية ..
فإذا كنت ساذجًا وتعتقد أن الخطوبة مجرد حفل عادي سيمر مرور الكرام .. فأنا كنت مثلك .. لكني الآن اكتسبت خبرة تؤهلني لتصحيح تلك الصورة ..
يبدأ اليوم حين تذهب لتصطحب خطيبتك من عند الـ"ميك أب أرتيست" . وهي التحول الحديث للكوافيرة في العصور الغابرة . كما تحول ديناصور "الأركيوبتركس" الطائر إلى عصفور مع مرور الزمن !
تدخل المكان لتجد خطيبتك تقف بظهرها لك .. يبدأ عقلك في وضع النظريات ..
هل هناك مقلب ما ؟ هل ستلتفت لك فجأة حاملة فطيرة ترزعها في وجهك كما يحدث في الكارتون ؟
هل يحدث كأفلام الرعب وتضع يدك على كتفها وتنظر لك لتكتشف أنها عفريت أو مصاص دماء ؟
أم أنها تصور مشهدًا ساذجًا في مسلسل مصري .. حيث يقف ممثل خلف الآخر وكلاهما يواجه الكاميرا في وضع يستحيل حدوثه في الواقع ؟
ستدور كل هذه الأفكار في رأسك ويبدو على وجهك سمات البلاهة والغباء دون أن تشعر .. ستذهب لتناديها لتنزلوا سريعًا لأن السيارة "راكنة صف تاني" .. وسيكون سخيفًا أن تتم كلبشتها اليوم بالذات !
تلتفت لك منتظرة رد فعلك الرومانسي على شكلها بعد مجهودات ديناصور "الأركيوبتركس" المتطور في وضع الميك أب ..
وهنا سأسكت قليلًا ..
عزيزتي الفتاة .. أوضح لك نقطتين شديدتي الأهمية ..
الأولى أن الشاب طالما قد تقدم لخطبتك .. فهو يرى أنك جميلة .. لأنه لا يتخيلك إلا وقت الاستيقاظ وانتي منكوشة الشعر بثياب البيت .. فإذا تقبل شكلك هكذا فلا حاجة لأي مجهودات ..
النقطة الثانية أن كل هذا بالنسبة لنا كشباب هو "مكياج" ـ بكسر الميم ـ لا فارق بين ألوانه وأشكاله !
لذا عزيزي الشاب .. أول نصيحة في فن الخطوبة .. يجب أن ترسم على وجهك أعتى ملامح المفاجأة والانبهار .. وإذا كنت لا تجيد التمثيل تخيل أنك قابلت "كريستيانو رونالدو" صدفة وارسم على وجهك نفس الدهشة التي ستشعر بها حينها !
ولا تقف كالأبله عاجزًا ولا تعرف كيف تتصرف كما فعلت .. آآ .. أقصد كما يفعل السذج الآخرون !
أين باقة الزهور ؟ يا لك من أحمق .. يجب أن تأخذها معك وتعطيها لها في هذه اللحظة بالذات ! هذا أمر يعرفه كل طفل .. أنا ـ طبعًا ـ فعلت هذا ولم أتركها في حقيبة السيارة لأني عبقري كما تعرف ولا تفوتني هذه الأمور !
مرت تجربة الميك أب بسلام ؟ رائع .. الآن أنتم متوجهون للسيارة .. انتبه أن تتعثر في ذيل الفستان .. خاصة إذا كان الهواء قويًا نوعًا .. هه ؟ تسأل لماذا ؟ لا عليك .. مجرد خاطرة وردت في بالي ولا علاقة لها بالواقع على الإطلاق !
الآن أنت في مرحلة اختيار الأغاني التي ستدور في السيارة أثناء الطريق .. هناك أمر مهم اكتشفته ـ بذكائي ـ هو أن أغاني "رامي عصام" و "نورخان" و"كايروكي" لا تصلح لهذه المناسبات ..
وصلنا بحمد الله ؟
الآن حان وقت استغلال دورة التدريب على الرقص التي حصلت عليها قبل الخطوبة ..
ماذا ؟ لم تفعل ؟ هل أنت خبير في رقص الأفراح ؟ لا ؟ يخرب عقلك يا راجل !
نعم .. رقص الأفراح والخطوبات ليس شيئًا "مش يمكن لما أجرب أطلع بعرف ؟" .. فأنت إن لم تكن موهوبًا أو على الأقل مدربًا على أعلى مستوى .. ستفقد جزءًا من كرامتك مع كل "هزة" لامؤاخذة !
لذا افعل مثلي .. اجلس على مقعدك بكل شموخ كأنك الملك فاروق .. ولا تبارحه مهما تبرم الفوتوجرافر "وهو تطور ديناصوري آخر لمصوراتي الأفراح" .. إذا كان يريد صورًا مختلفة فعليه بالفوتوشوب .. لا تفقد كرامتك ثمنًا لبعض الصور !
هل جاءت الشبكة ؟ رائع ! اقترب اليوم من النهاية الناجحة ..
هنا يوجد خلاف بين خبراء الخطوبة .. وعليك أن تكون دبلوماسيًا أكثر من مندوب الأمم المتحدة ليمر الأمر بسلام ..
هناك طقس غريب مصاحب للشبكة في معظم الأحيان .. أنها يجب أن تدور على جميع المدعوين ليروها قبل أن تلبسها لخطيبتك ... ويتم وضعها في صينية مرصعة بقطع الشيكولاتة !
في خطوبتي الثانية منذ خمسة أعوام .. لم يفهم أصدقائي ما المطلوب منهم .. هم لا يهتمون بشكل الشبكة .. أو إذا كانت من الذهب أو اليورانيوم المشع .. فمد كل منهم يده وأخذ قطعة من الشيكولاتة .. ليتضح بعدها أن هذا خطأ كبير يشابه شرب القهوة في سرادق العزاء (نعم اتضح أن هذا خطأ أيضًا لكن هذا فن آخر) !
إذن ما هو الخلاف ؟
الخلاف في من المنوط به القيام بهذا الطقس المقدس ؟ والدة العريس أم والدة العروس ؟
هنا عليك أن تكون دبلوماسيًا حتى ترضي جميع الأطراف .. ولا تتعرض لموجة نكد تعصف بروحك !
أو الأسهل يمكن أن تخترع "روبوت" مخصص لهذه المهمة .. أو تبتاع طائرة بدون طيار تدور في أرجاء المكان !
والأجمل أن يكون أهلكما ممن لا يبالون بهذا الطقس العجيب !!
سنفترض أنك وجدت حلًا .. الخطوة التالية ..
ستظل أيامًا تفكر مع خطيبتك في صورة مبتكرة لكما بالدبلتين .. لا داعي ..
لن تجدا البال الرائق لتنفيذ أي شيء .. وسيقول لك "الفوتوجرافر المتطور من المصوراتي" بكل ثقة ما تفعل .. ببساطة وجها قبضتيكما للكاميرا كأنكما توجهان "بوكس" لمن يشاهد الصورة .. ولقطة تفوت ولا حد يموت ..
اقترب اليوم من نهايته .. وهنا تكتشف بذعر أن لا نهاية واضحة !!
في الأفراح تدور أغنية "سهر الليالي" .. ويلف الجميع كالبلهاء في قطار بشري .. لكنها تقول بوضوح "خلصت الهيصة كل واحد يروح يشوف حاله" ..
لكنك في الخطوبة تظل جالسًا .. ينسحب جزء من المدعوين إلى بيوتهم .. ويظل البعض باقيًا ويتمدد ولا تبدو لديه نية واضحة في الرحيل !
أنت جالس وقد فتك "الأدرينالين" والتوتر بكل طاقتك .. وتشعر بمخك يذوب من فرط الأصوات العالية .. وأصبحت الآن مشتاقًا لخلع ثيابك والظفر بحمام دافئ وارتداء بيجامتك المريحة .. مملكتي وأموالي كلها مقابل خلع حذائي فقط .. ويبدو لك هذا أملًا بعيدًا !
والمعازيم يجلسون بقمة السعادة وعلى وجوههم ابتسامة عريضة مرتاحة كالبطة السعيدة ..
الحل هنا عزيزي القارئ هو والدك .. خاصة إذا كنت قد ورثت حب الهدوء وكره الدوشة منه ..
اتفق معه على إشارة ما قبل الخطوبة .. يمكنك الاستعانة بشفرة "موريس" اللاسلكية الشهيرة .. واتفق معه على إشارة SOS الشهيرة التي تستخدم في الاستغاثة في الحوادث ..
حينها يخبط والدك على فخذيه وينهض قائلًا بابتسامة عريضة منبئة بالخلاص (هاه .. يلا ألف مبروك) .. ويصافح حماك بحرارة .. وتنهض أنت بحماس .. وتصيح بحماس : عقبالكم جميعًا ..
وتتحرك أسرتك وأصدقائك بإشارة استغاثة مدروسة أخرى .. وتبدأ عاصفة من التهاني والمباركة والمصافحة .. تستمر حتى الوصول إلى الخارج بنجاح !
وهكذا يا صديقي يمر يوم خطوبتك بنجاح بأقل الخسائر الممكنة ..
كما ترى الأمر معقد جدًا .. وتحتاج إلى الخبراء أمثالي لتجاوزه .. كما يستعين فريق كرة القدم بمدرب أجنبي !
إن شاء الله وألف ألف مبروك ..
.jpg)