Saturday, February 2, 2019

لقد رأيت !!


لقد رأيت ..


هناك مقولة قالها ـ أعتقد ـ قائد روماني .. لا أذكرها تمامًا .. قرأتها في كتاب ما نسيت اسمه .. بحثت عنها في جوجل لكني لم أجدها للأسف ... 

المهم يقول القائد الذي لا أذكر اسمه لكنه حتمًا ينتهي بالمقطع "يوس" .. جلاسيوس .. أكتيوس .. محموديوس .. أيًا يكن .. 

يقول : "لقد رأيت .. وغزوت .. وانتصرت" .. أو ربما قال "لقد حاربت .. وانتصرت" ... 

فعلًا لا أذكر ... لكنها أعجبتني وقررت أن أبدأ بها مهما كان الثمن ... 

أنا فعلًا رأيت ... 

أنزل إلى الشارع .. أرى شابًا وفتاة واقفين ... 

الشاب يطل الحب ببلاهة من عينيه .. لكنه لم يصارحها بعد ... غالبًا يخشى الفريند زون .. 

والفتاة تبتسم ابتسامة أعرف معناها .. كأنها تصرخ بأفكارها : "أنا أعرف أنك تحبني ... لكني فتاة مستقلة قوية .. وأريد تحقيق طموحاتي أولاً لذا لا أريد الزواج.. ولهذا أقف معك في الشارع .. ربما أحبك فيما بعد .. لكن يجب أن أحيل حياتك جحيمًا أولًا بأن أعيش حالة الارتباط والاهتمام دون مسئوليات" 

طبعًا الشاب لا يحبها .. لكنه الكبت الذي يعاني منه الجيل بأكمله .. كلما اقترب من فتاة في العمل أو الأنشطة التطوعية أو تبادلا عشر كلمات على الفيس بوك يشعر أنه يعشقها بما يفوق عشق أحمد ومنى .. 

والفتاة لا تعرف ما تريده ... لكنها سعيدة أنه يهتم بها .... وتقنع نفسها أنها ليست بحاجة له .. وأنه صديقها الصدوق فحسب .. 

أرى بعين الخيال ما سيحدث لهما مستقبلًا ... 

سيصارحها الفتى بإعجابه في ليلة سوداء ... فتتظاهر هي بالمفاجأة ... وتقول له أنها لم تفكر فيه بهذا الشكل ـ هأوـ وستقول له أنها معقدة بسبب تجربة سابقة .. وتطلب فرصة للتفكير .. 

في اليوم التالي سيتظاهر باللهفة ... وستتظاهر بالقلق ... 

يطمئنها أنه سيساندها في طموحاتها ... سيحدثها عن تحضره ورجولته .. وأن زواجهما لن يكون تقليديًا ينتهي به موظفا أصلع بكرش وبطيخة .. وينتهي بها ربة منزل بكرش تجلس أمام المسلسلات العربية .. 

لقد حان الوقت لتغيير نظرة العالم عن الزواج .. وسنكون أول زوجين متفاهمين طموحين ناجحين في عالم الإنسان والحيوان ... وفوق كل هذا سيكون حبنا أسطورياً يتحاكى عنه الجميع ويكتب بالإبر على آماق البصر !! 

توافق الفتاة ... ومع الوقت يتحول كلامهما من التلاقي الفكري والوجداني وتبادل الأفكار والمشاريع .. إلى كلام الحب الملزق ... هو يغار عليها من كل شاب يكلمها .. وهي تنكد عيشته إذا وجدت فتاة في قائمة اللايكات على أي بوست له .. 

بالتدريج يصبح كل همه اصطياد فرصة ليمسك يدها ... تتمنع في البداية ثم تفرح ... 

بعد شهور تتحول أحاديثهما إلى العفش والأجهزة و"ماما زعلانة منك عشان ماكلمتهاش في عيد العمال" أو "بابا مصمم إن الستاير عليك عشان الشقة صغيرة" .. 

وتختفي الفتاة المستقلة القوية ذات التفكير المختلف ... وتعود لأصلها فتاة مصرية تقليدية كل تفكيرها أن يرضيها خطيبها ويدللها ويتصل بها 30 مرة في الدقيقة .. وأن يرضي أهلها .. وأن تختار العفش على مزاجها هي .. وتختار دهانات الشقة والديكورات .. وأن تكون شبكتها أكبر من شبكة صديقتها .. وأن يكون الزفاف رقيقًا فاتنًا ـ وفخمًا ـ وأن تبدو فيه كالملكة !!

ويختفي الشاب الحنون المتفهم ... ويصبح حيوانًا لا يهمه إلا أن يظفر منها بقبلة أو حضن مسروق سريع .. و لا يفكر إلا في مؤخرتها وثدييها  و ... إحم ! 

ويختفي الحب .. وتختفي القصة الأسطورية لتتحول إلى تنويع على قصة "عزمي وأشجان" مع عدم وجود الشجاعة لفسخ العلاقة وخسارة الأموال والتجهيزات وشماتة الأعادي !! 

ويتحولان إلى نسخة عادية من ملايين المرتبطين ... تمهيدًا للزواج والتحول إلى المنافسة في زيادة الوزن وحجم الكرش !! وتبادل السباب والضرب أحيانًا !! 

لقد رأيت ... لقد رأيت ... 

رأيت هؤلاء الشباب في ذاك المقهى الراقي ... على وجوههم الجدية والخطورة كأنهم يخططون للمفاعل النووي المصري الأول ... أو كأنهم في اجتماع لنادي القتال في رواية تشاك بولانيك ... 

أقترب منهم ... هم غالبًا يؤسسون شركة أو منظمة تطوعية ... نفس الكلام المكرر عن "مش هنفضل طول عمرنا موظفين " و "لازم نسيب بصمة" أو "احنا هننجح ونحقق كل أحلامنا" .... نفس الكلام ... 

أعرف ما سيحدث ... سيجتمعون عشرين مرة ... سيتناقشون مئة مرة ... سيتشاجرون ألف مرة .. سيصممون لوجو للكيان .. وسيبدأ العمل .... 

ثم بعد فترة يموت الحماس ... ولن يحضر الاجتماعات بعدها إلا 3 أفراد ... ويتحول الكلام إلى "أصل أنا عندي شغل" و "أصل بابا تعبان " و "أصلي مابقاش عندي الشغف" و "أصلي مابقتش مرتاح للجو العام " ... وفي النهاية ينتهي الأمر ولن يكسب منه أحد إلا فتى وفتاة تعرفا في الكيان وتزوجا بعد نفس المراحل التي ذكرتها منذ قليل في الجزء الأسبق ... 

وينتهي الكيان ... وقد يحاول مغفل منهم أن يبدأ واحدًا جديدًا مع أناس جدد .. فقط ليتكرر نفس ما حدث بحذافيره حذفورًا حذفورًا ... 
ليتحولوا جميعًا إلى موظفين راضين عن أنفسهم مع الاقتناع الكامل أنهم قد حاولوا ما بوسعهم ويحدثون أصدقائهم بفخر أن "أنا كان عندي شركة على فكرة ... بس للأسف ماكملناش بسبب اللي معايا .. مكنش عندهم الكونسبت إنهم يعافروا زيي " !!
لقد رأيت .. لقد رأيت .... 
رأيت هؤلاء الأصدقاء بشكل شبه يومي .. 
شلة من عدة أفراد .. يلتقون يوميًا .. يخرجون معًا في أي مكان .. منتهى الراحة والطمأنينة ... 
يساندون بعضهم في المحن ... حتى لتشعر أنهم مجموعة منظفي المداخن من مسلسل عهد الأصدقاء !! 
أرى بعين الخيال بعد عدة سنوات ... أن بعضهم سافر إلى الخليج وانقطعت أخباره كأنه سافر إلى صحراء جرداء ويعيش في خيمة بلا وسائل تواصل !! 
وقد يعود أحدهم في إجازة لكنه لا يتصل بأحد منهم باعتبارهم مرحلة في حياته وانتهت .. 
والبعض الآخر خطب أو تزوج وأيضًا انقطعت أخباره ... وإذا حاول أحد المتحمسين من الشلة أن يجمعهم مرة أخرى تحججوا جميعا بالمشاغل وضيق الوقت ... كأنهم جميعًا يا حبة عيني يحملون مسئوليات الاحتباس الحراري والتلوث البيئي والظهير الصحراوي في آن واحد !! 
كقاعدة .. لا يوجد أحد مشغول طوال الوقت ... الجميع موظف تافه في شركات تافهة لا يفعلون شيئاً على الإطلاق ... وعامة لا يمكن أن ينشغل أحد 24 ساعة يومياً حتى لو كان إمبراطور اليابان ذاته !! 
لكن للأسف .. الصداقة خدعة أخرى نخدع بها أنفسنا .. 
نعم ... 
هذا هو هدف المقال ... جميع العلاقات البشرية خدعة كبيرة ... راجع كل علاقاتك وستعرف أني على حق ... 
الحب مجرد وهم وتعود وانجذاب شكلي يختفي بعد أول سنة زواج .. ويمكنك مراجعة معدلات الطلاق ... أو ببساطة أنظر لوجوه المتزوجين وهم يمشون في الشوارع !! 
الصداقة مجرد وسيلة لملء أوقات الفراغ مع الأشخاص المتاحين في نفس الظروف والمكان والزمان .. 
فإذا تغيرت الظروف أو بعدت المسافة أو مر الزمان ... تختفي الصداقة بحجج ومبررات واهية إلى الأبد .. تذكر الآن أين هم أصدقائك المقربون سابقًا ؟ اختفوا جميعًا .. وأصدقاؤك الحاليون هم زملاؤك في العمل !!
لقد رأيت .. لقد رأيت ... 
الطموحات والآمال كذبة كبيرة مضحكة ... 
ما قيمتها أصلًا ؟ 
نحن مجرد صراصير وحشرات تتنافس في تسلق مواسير المجاري ... لو فكرت في قيمة أي طموح لك ستجده بلا أي قيمة ... 
ما قيمة أن تكافح في تعليم أو عمل أو "تبني كارير" ؟ المال ؟ إذا كان دخلك ألف جنيه لن يكفوك ... وإذا أصبح 100 ألف ستتضاعف احتياجاتك وأيضًا لن يكفوك !! 
تريد أن تبني اسمًا ونجاحًا ؟ لن تستفيد منه بعد موتك ... على أية حال لا يستهويني أن يذكرني الناس أني كنت صرصورًا ناجحا كافح حتى خرج من الكابينيه . ! 
ما القيمة ؟ ما الفائدة ؟ إذا وصلت للنجاح سيحاول ألف شخص سرقة نجاحك أو نسبه لأنفسهم ... أو ستظل طوال الوقت خائفًا أن يضيع منك نجاحك !! 
ما الحل ؟ 
الحل ألا تفعل شيئًا على الإطلاق ... ولا تختلط بالبشر أبدًا ... 
لا يكونن لديك ما تخاف عليه من الضياع ... ولا يكونن لك شخص تخشى فقده ... 
تعيش حياتك كأيام تنتظر انتهائها فقط لا غير .. وتعامل جميع البشر أنهم سواء ولا قيمة لأحدهم عندك ... صدقني لقد رأيت ... 
أنا قد رأيت ..... وحاربت .... وانهزمت .... 


3 comments: