Friday, June 21, 2019

أنا صح !!



أنا صح !! 

صرخة حسن شحاتة الشهيرة حين أحرز عمرو زكي هدفًا غاليًا منذ 13 عامًا .. 

كنت غرًا ساذجًا حينها .. فشعرت أن رد فعله مبالغ فيه .. ومن الأفضل لو اكتفى بابتسامة واثقة .. تدل على أحقيته بمنصبه .. وتخرس أي مشكك في قدراته ... 

لكني تفهمت موقفه .. حين تعاملت مع البشر ووجدت أن ما هو واضح وصحيح بالنسبة لي .. يشككون هم فيه بلا توقف !! 

وأصل الحكاية أن الكثيرين يلومونني على نصيحتي المعتادة في كل المقالات .. ألا وهي اعتزال البشر .. وتخفيف الاختلاط بهم بأقصى قدر ممكن .. 

وأصبح معتادًا أن أسمع كلامًا على غرار "جنة من غير ناس ما تنداس" و "انت مريت بتجارب ماستحملتهاش .. غيرك ممكن يستحملها" و "انت ضعيف للأسف .. أنا غيرك" .. 

لكني في الواقع انتبهت لأمر غريب .. 

انتبهت أن الجميع على الفيسبوك يكتبون عن صدمات حياتهم .. الجميع صدم في أشخاص .. الجميع تعرض لنهايات سيئة لعلاقاته .. الجميع يشعر أن لا أحد يفهمه .. 

إذن فالجميع يرى رأيي !! 

حتى أشد الناس اجتماعية .. الذين لا يكفون عن الابتسام في وجه الجميع .. ولهم أصدقاء يفوق عددهم جيش كورتيز نفسه ! 

إذا ما اقتربت منهم ستجدون يبكون هجر الحبيب وغدر الصحاب مثلي تمامًا !! 

إذن ما المشكلة ؟ 

لماذا لا يبتعد الجميع عن الجميع ليرتاح الجميع ؟ 

القصة أن العرف المجتمعي والعادات والتقاليد حتمت أن يكون الشخص اجتماعيًا وإلا ظنوا بعقله الظنون ! 

ستجد حولك حتمًا شخصًا يفضل البقاء وحيدًا .. لكن الجميع يتعامل معه كمريض نفسي .. أو كشخص بارد مغرور .. أو حتى أنه خجول ضعيف الشخصية .. ويتغامزون عليه كلما ظهر.. 

حتى في مقابلات العمل يفضلون الشخص المتكلم الاجتماعي .. أما المنطوي فـ"هادي زيادة عن اللزوم مش هينفع" ! 

لذا أصبح محتمًا في المجتمع أن يكون الشخص اجتماعياً متعدد العلاقات .. وإلا فليذهب إلى الجحيم !! 

بل وتحول الانطوائي إلى شخص فاشل عاجز لا يجيد التعامل مع الحياة ! 

والنتيجة أننا تحولنا إلى مجموعة من المجانين .. كل منهم يتمنى البعد عن البشر لكنه لا يجسر على هذا !! 

السؤال هنا هو لماذا ؟ 

لماذا نفعل هذا في بعضنا البعض ؟ 

لماذا يجب أن أقضي يومي في تعاملات اجتماعية لا أحبها .. وواجبات نحو آخرين لا أريد التعامل معهم .. بل وهم أيضًا لا يريدون هذا !! 

لماذا أصبح واجبًا أن أقترب من النار وأمسكها .. وأعجز حتى عن الشكوى من ألم الاحتراق حتى لا يتهمني الناس بضعف الشخصية والغرور ؟! 

قد تقول أنك تعرف أناسًا تحبهم ويحبونك .. وترتاحون معًا .. أضحكتني !! 

هل تعاملت معهم في مصلحة ما ؟ تشاركتم في مشروع ؟ اختلفتم في أمر محوري بينكم ؟ لا ؟ 

إذن حين تمر بكل هذا معهم حدثني عن الحب والراحة والعلاقة الأفلاطونية الجميلة بينكم !! 

حتى الدين أمرك بمعاملة الجميع بالحسنى .. والابتسام في وجوههم .. ووضع قواعد واضحة للتعامل مع البشر من زواج وطلاق وسواهما .. لماذا في رأيك ؟ 

لأن الإنسان ولد وحيدًا .. وجبل على كونه متفردًا لا يمكن أن ترتاح نفسيته مع أشخاص آخرين مهما كانوا قريبين منه .. فقط التعامل بحدود معينة تضمن عدم الوصول للخلاف .. 

حتى الزواج .. ستكون مع إنسان وجهًا لوجه بقية عمريكما ... 

لكنك إذا تجردت تمامًا مع شريك حياتك .. وصارحته بكل ما بداخلك على طريقة "أصل أنا متفق مع سعاد مانخبيش على بعض حاجة أبدًا" ... فسينتهي الزواج بالانفصال لا محالة !! 

إذن فالقاعدة هنا هي الوحدة .. والتعامل مع الجميع بالابتسامة والكلمة الطيبة .. وعدم مشاركة كل شيء مع أي أحد ... 

امزح واضحك وساعد الناس .. لكن احتفظ دائمًا بوحدتك في مكان أمين ... 

أذكر في الماضي أني كنت أطبق هذا الكلام حرفيًا .. 

لي أصدقاء كثر .. لكني ظللت متفردًا .. أتبنى آرائي الخاصة فقط .. والحياة حولي واضحة تمامًا .. أرى الأبيض أبيضًا والأسود أسود .. دون الرجوع لرأي أي شخص .. 

لكن لأسباب مختلفة اضطررت للتحول إلى حيوان اجتماعي أهتم برأي الناس ونظرتهم لي .. أكتم الأفكار التي قد تنفر الناس .. أذوب وسط المجتمع لأصبح واحدًا من القطيع .. ويالهول ما رأيت !! 

ضعفت ثقتي بنفسي وبأفكاري .. ومع زيادة التفاعل مع الناس بدأ اللون الرمادي بالظهور .. فما تراه سيئاً قد يراه غيرك رائعًا .. 

لا مشكلة في اختلاف الأذواق .. لكن تفاعلك الزائد مع البشر قد يغير ذوقك ومفاهيمك للأبد !! 

أذكر في فترة أقمنا مسابقة للكتابة .. وبدأ المشاركون في إرسال أعمالهم .. 

معظم الأعمال كانت سيئة بشكل لا يوصف .. وكنت مضطرًا لتقييم الجميع لاختيار الفائزين .. 

أصبت بالذعر حين وجدت مفهومي عن العمل الأدبي الجيد بدأ يتشوش من كثرة الأعمال السيئة !! 

هرعت إلى أعمال أحمد خالد توفيق وتوفيق الحكيم وتشيكوف لأستعيد ذاكرتي من جديد !! 

حاول أن تتفاعل لفترة مع مجموعة من حبي توفيق عكاشة .. أو السلفيين المتشددين .. 

مهما كنت قويًا ستتبلبل أفكارك ... وسيجد كلامهم الطريق إلى عقلك طالما كان اختلاطك بهم كاملًا ! 

سيصيبك الشك في كل أفكارك ومفاهيمك .. هل أنا أفكر بهذه الطريقة لأن هذا تفكيري ؟ أم هو مجرد نتاج التفاعل مع البشر المحيطين بي ؟ 

هل هذه شخصيتي فعلًا ؟ أم أنها مجرد لعبة "بازل" كل قطعة مكونة من مجموعة بشر تفاعلت معها ؟ 

الأغاني التي أفضلها .. هل أحبها فعلًا ؟ أم أنه تأثير المجموعة المحيطة بي ؟ 

لتفهم قصدي عليك مشاهدة فيلم "البرتقالة الميكانيكية" .. الفتى المجرم الذي أجبروه على مشاهدة مقاطع فيديو مدروسة طوال اليوم .. حتى تحول إلى شخص جبان مسالم أكثر من اللازم ! 

ليس الأمر بسوداوية الفيلم طبعًا .. لكنه سيء بما يكفي ..وكفيل بمسخ شخصيتك حتى تعجز عن التفرقة بين ما تحبه فعلا .. وما يريدك المجتمع أن تحبه حتى يتقبلك بين أفراده !! 

ابق وحيدًا .. كون آراءك وحدك .. لا تختلط بالبشر .. الجحيم هو البشر الآخرون .. اهرب منهم هروبك من أسد مجنون يطاردك ... 

لا تسمح لهم بتحويلك إلى برتقالة ميكانيكية تتشكل حسب أهواءهم !! 

اسمع نصيحتي .. أو ببساطة سأعود بظهري للوراء .. وأشاهد سقوطك .. وأضحك ..


Friday, June 14, 2019

عن القلم والبلاعة



عن القلم والبلاعة 

يقول الراحل "أحمد خالد توفيق" أن المشكلة أن هناك من قال إن الورود للموتى والذي في المقدمة يُضرب بالحجارة .. بهذا لا يعتقد الرديء أبدًا انه رديء .. إنهم يهاجمونني لأنهم حاقدون .. 

أو بالبلدي "الأشجار المثمرة يحدفها العيال بالطوب" .. 

تنطبق هذه المقولة على كل مجال عمل تقريبًا ... لكني أردت أن أخصصها لمجال واحد .... 

أتمنى أن تكون قد استنتجته من العنوان ... قلم .. وبلاعة ... عنوان موحٍ فعلًا .. 

إذا لم تكن قد فعلت فأنت من الأحرار الذين لن يتوقفوا عن القراءة لأنهم عرفوا موضوعه من السطر الثالث ... ولن تنام سعيدًا لأن الكاتب الأحمق فشل في تشويقك ودفعك لمتابعة القراءة ... 

لازلت هنا ولم تمل بعد ؟ رائع ... أنت أسطورة يا بني في عالم أصبح يعتبر بوستًا على الفيسبوك مكوناً من 50 كلمة مقالاً طويلاً مملًا .. 

هذا هو الموضوع ... 

فحتى وقت قريب كانت مصطلحات "كاتب أو "روائي" أو "أديب" لها هيبة .. وتشعر أن صاحبها شخص ديناصوري أسطوري كلما دخل مكانًا لا بد أن يظلم وتنطلق موسيقى أندرتيكر ... 

أما الآن أصبح كل أبله له عدد كبير من المتابعين على الفيسبوك ينشر كتابًا ... فجأة أصبح معرض الكتاب يضج كل عام بآلاف الكتب الجديدة ... ومعظمها حمضان بعنف ... لدرجة أني بعدما قرأتها استخدمت أوراقها تحت البطاطس المقلية لأستفيد بأي شكل مما دفعته فيها !!! 

ربما تتهمني بالغرور .. وتقول أنه طالما وافقت دار النشر على نشر كتاب لأحدهم .. فقد درسوا الأمر حتماً وتأكدوا من موهبته ... لذا أفسح صدرك لأحكي لك خبراتي مع دور النشر المصرية .... 

مازلت هنا ولم تشعر بالملل ؟ أنت إذن إما عنيد جدًا أو أحمق بلا حدود .... 

المهم ... تنقسم دور النشر إلى قسمين ... الأول بالفعل لديه بالفعل لجنة قراءة .. ولا ينشر أي كتاب إلا بعد دراسة مدققة .... وهذه الدور قليلة فعلًا ونادرًا ما توافق على نشر كتاب لكاتب مجهول .... 

أما القسم الثاني الذي يشكل الغالبية العظمى ... فهي تتقاضى مبلغًا كبيرا من الكاتب لتنشر له ... نعم هو كما قرأت ... الكاتب يدفع مبلغاً محترمًا لينشر كتابه .. ليكن مثلًا 10 آلاف جنيه ... تأخذ الدار المال .. وتطبع له 200 نسخة في أحقر المطابع .. تبلغ تكلفتها 2000 جنيه فقط لا غير .... يعطي الكاتب 50 نسخة منها يوزعها على أقاربه وأصدقائه ... وتلقي البقية في بعض المكتبات الصغيرة .... دون أن تدفع مليمًا لتسويقه !!! 

أي أن أرباح دار النشر مصدرها هو الكاتب نفسه .. وبعدها فليذهب الكتاب إلى الجحيم حتى لو لم يبع نسخة واحدة !!! 

هل صدمتك ؟ 

تتساءل عن المكتبات الكبيرة ؟ تقول أنهم حتماً يكسبون من بيع الكتب ؟ 

دعني أحكي لك قصة صغيرة .. 

تواصلت معنا في فترة سيدة شابة مهذبة ..قامت بافتتاح دار للنشر .. وقررت أن تكون دارًا محترمة .. لها لجنة قراءة تحدد مستوى الكاتب قبل الموافقة على نشر كتابه .. ولا تأخذ مليمًا من الكاتب ... بل وستعطيه نسبة من أرباح البيع .. 

كانت تقول أن دار النشر لها منتج واحد هو الكتاب .. لذا يجب أن يكون بيع الكتب هو مصدر الربح الوحيد .. وليس جيب الكاتب .. !! 

كلام محترم كما ترى .. 

هكذا نشرت الدار مجموعة كتب لأدباء شباب .. وبعض الروايات المترجمة بالغة القدم من الأدب العالمي .. وتواصلت مع المكتبات الكبيرة لتعرض كتبها لديهم .. 

وبدأت المهزلة .. 

اتضح أن بيع الكتب في مصر محض كذبة .. والربح منه شبه مستحيل .. 

كما أن المكتبات الكبيرة حين طلبت السيدة أن يوردوا إليها نصيبها من بيع الكتب .. ظلوا يماطلونها مدة طويلة .. ثم قالوا ببرود : "انتي بتدوري على فلوس البيع ليه ؟ ما انتي خدتي فلوس كتير من الكاتب" !! 

وطبعًا لم تحصل على مليم واحد !! 

وأغلقت دار النشر بعد فترة .. بعد خسارتها لمبلغ مرعب !!! 

هل فهمت ما حدث ؟ 

أولًا لا يوجد شيء اسمه "سوق الكتب" .. لا أحد يشتري تقريبًا .. 

المكتبات الكبيرة ؟ قد تكون غسيل أموال .. أو مجرد أماكن أنيقة لاستقبال الندوات الحمضانة .. أو كافيهات بها بعض الكتب لا أكثر !! 

قائمة "الأكثر مبيعًا" التي يصدعوننا بها قد تكون كتبًا باعت عشر نسخ فحسب !! 

تحولت الكتابة إلى شخص يدفع مالًا لينشر كتابًا .. ثم يبدأ الزياط على الفيسبوك .. يا شباب أنا قد أصبحت كاتبًا .. ! 

يدخل أصدقاؤه الذين لم يقرأوا كتابًا في حياتهم ليهنئوه .. ويبشرونه أنه سيفوز بجائزة نوبل يومًا ما .. وأنه سيغير وجه الكتابة للأبد .. 

ثم يدعو لحفل توقيع فخيم .. يحضره نفس الأصدقاء .. بالإضافة لأدباء آخرين مثله .. يتبعون مبدأ "نقطة الفرح" .. هم يحضرون حفله .. ثم يردها هو لهم بحضور حفلاتهم .. جمعية ودايرة ! 

أين القراءة الحقيقية ؟ أين تقييم مستوى الكتابة ؟ كل هذا تاه وسط الزحام !! 

مازلت تقرأ ؟ ما أروعك !! 

قد يقول قائل أن الموهبة الحقيقية ستظهر حتمًا .. ولن تحتاج الزياط لتصل للقراء .. 

للأسف لم يعد هذا واردًا .. 

كما قلت لك .. لم تعد دور النشر تقوم بتسويق الكتب .. وأصبح الاعتماد كاملًا على الكاتب نفسه أن يسوق لنفسه على النت ! 

لذا إن لم تكن ممن يحصدون آلاف اللايكات على الفيسبوك فأنت هالك لا محالة !! 

للأسف أصبح هذا هو الوضع في بلادنا العزيزة .. ولعلك تراه في مجالات عديدة غير الكتابة .. 

كم شخصًا تعرفه كان يجيد عمله ويتفوق فيه لكنه لا يجيد الزياط والشو ؟ وفي النهاية لا يحصل على أي تقدير .. ويذهب الثناء كله إلى شخص لا يعمل تقريبًا .. لكنه طوال الوقت يبدو مشغولًا منهمكًا كأنه رئيس وزراء نشط .. كما يعرف مفاتيح مديره جيدًا .. 

اختبارات كرة القدم في الأندية تعتمد على الواسطة .. أعرف كثيرين ذهبوا للاختبار .. ليفاجئوا أنهم يختبرون 50 فتى في نفس الوقت .. عن طريق إعطائهم الكرة و "يلا العبوا" .. وبعد عشر دقائق لا ينظر المختبر لهم فيها أصلًا ينتهي الاختبار !! 

أحد أقاربي جاء من الصعيد خصيصًا ليختبر في أحد الأندية .. يقسم لي أن الكرة لم تصل إليه ولم يلمسها مرة واحدة !! 

أن تحصل على وظيفة لم يعد متعلقًا بمهاراتك .. بل بمدى توسع علاقاتك !! 

أصبحت مقولة "من جد وجد" و "لن يصح إلا الصحيح" محض تفاهات لا تجد من يصدقها .. 

أصبحنا محاطين بالزيف .. المنتج الأكثر انتشارًا لم يعد المنتج الأفضل .. 

أصحاب المناصب لم يعودوا الأفضل .. بل الأكثر علاقات .. بداية من رئيس اتحاد الطلبة وحتى رئيس الـ... إحم !! 

ما علينا ... 

طالما وصلت إلى هنا في قراءتك فأنت شخص مميز حقًا .. وسأعطيك نصيحة ذهبية للنجاح في أي مجال .. 

كن زياطًا .. منافقًا .. مداهنًا .. وكون علاقات بأي ثمن .. حتى لو على حساب كرامتك .. أو ببساطة ابحث عن ركن تموت فيه ..