Friday, September 27, 2019

عن الاكتئاب السعيد



عن الاكتئاب السعيد !! 

مر شهران منذ كتبت آخر مقال لي .. 

هذه حالة "سدة كتابية" أخرى إذن .. في السدة السابقة اكتفيت بالكلام عن أي شيء يخطر ببالي دون تنسيق .. لكن لا تقلق .. لن أعيد نفس الفكرة مرة أخرى وإلا سيكون مزاحًا ثقيلًا حقًا ! 

على أن تلك الفترة ساعدتني على دراسة حالتي بشكل أكثر وضوحًا .. 

هل أنا مصاب بالاكتئاب ؟ 

لا أعرف .. لكني أتطور في عملي وأتعامل باتزان مع الجميع .. قد لا يتقبلون آرائي في الحياة .. لكن هذا لا يسبب أي مشاكل على أية حال .. 

أخرج وآكل وأدخن وأتفاعل بشكل طبيعي .. 

إذن ما المشكلة ؟ 

المشكلة أن تعريفي للسعادة اختلف عما سبق .. 

إذا سألت أي شخص عن السعادة سيقول لك بثقة "عمل مريح ودخل مرتفع وزوجة وأطفال و .. " 

كل هذا جميل .. لكني لا أرى إلا الجانب المظلم من القمر .. 

لا أرى إلا أن كل هذا يحوي المشاكل بداخله .. 

العمل ؟ كم واحدًا تعرفه مستقر في عمله ؟ حتى شركات عملاقة مثل جوجل ومايكروسوفت يستقيل موظفوها ! 

وبدأ تيار في العالم يهاجم الرأسمالية التي لا ترحم الموظفين ! 

زوجة وأطفال ؟ هل أنت واثق أنك تستطيع إسعادهم ؟ 

هل شبابك - خاصة لو كنت في دولة من العالم الثالث – كان موفقًا لدرجة أنك تريد تصديره لأطفالك ؟ 

هل تستطيع توفير حياة آمنة لهم والعالم كله على صفيح ساخن ؟ 

هل تضمن ألا يتسلل الملل بينك وبين زوجتك ؟ لاحظ أنكما قبل الزواج لم تتعاملا إلا بالثياب الأنيقة في الكافيهات الراقية .. فهل أنت واثق أنكما ستظلان على حبكما حين تجلسان بالبيجاما في البيت ؟ 

ستقول أن هناك أزواجًا سعداء .. ستحدثني عن شقيق صديقة زوجة عم جارك الذي يحيا حياة زوجية رائعة .. أعرف .. والله العظيم أعرف .. 

لكن هناك شعوراً ممضًا لن تعرفه إلا وأنت مقبل على الزواج .. هو شعور أنك لا تريد كل هذا .. وتريد إلغاء كل شيء .. لكنك لن تملك الشجاعة للعودة بعدما قطعت نص الطريق ! 

بمعنى .. قد تتزوج .. وتفاجأ بسلبيات عديدة لم تكن تتخيلها .. لكنك لا تملك أي شجاعة لاتخاذ قرار الانفصال بخسائره المادية والمعنوية !! 

أي أنك تكمل حياتك محاولًا إقناع نفسك أنك سعيد .. وتصدر هذا الشعور لمن حولك حتى يرتاح ضميرك .. في حين أنك من داخلك تشعر أن الأمر لم يكن رائعًا كما كان في خيالك .. !! 

طبعًا أنت الآن عابس وتقول بقرف "يا أخي ليس الأمر بهذا السواد" .. 

يمكنك مراجعة إحصائيات زيادة حالات الطلاق هذه الأيام .. فقط لأن الأجيال الجديدة تطور تفكيرها عن الماضي .. ولم تعد تعامل الزواج والأسرة على أنهما هدف الحياة !! 

يمكنك أن تسأل صديقك الذي يعمل في شركة "مالتي ناشونال" .. وسيحكي لك عن ساعات العمل الطويلة المرهقة .. والمديرين المتسلطين الذين يعصرونه عصرًا ليكون مؤهلًا للحفاظ على أرباح الشركة وبقاءها في القمة .. وسيقول لك عن أمنيته التي لا يجسر على تنفيذها بالعمل في شركة صغيرة براتب أقل بكثير .. لكن بضغوط أقل .. وخوف أقل من يتم طردك لأنك لم تعد مناسبًا للشركة العظيمة !! 

ما الذي أحاول قوله ؟ 

قد تكون لديك أحلام عظيمة .. وتصور رائع للسعادة .. 

قد تكافح أعوامًا لتصل إلى أهدافك .. فقط لتكتشف أنها مليئة بالعيوب والسلبيات .. وأن كل تعبك كان مقدمة لمضاعفة التعب عشرة أضعاف .. 

تتعب لتتزوج .. ثم تتعب أضعافًا لتحافظ على استقرار الزواج .. 

تتعب لتنجب أطفالاً .. ثم تتعب أضعافًا لتؤمن لهم مستقبلًا في عالم لا يرحم .. وغالبًا ما تفشل ! 

تتعب لتصل لوظيفة أحلامك .. ثم تتعب أضعافًا لتحافظ عليها لأن العمل لا يعرف الرحمة !! 

ووسط كل هذا يخامرك شعور بالندم لأنك أدخلت نفسك في عشرات المعارك .. ولا تملك الشجاعة لتنسحب منها جميعًا وتعلن رغبتك في العودة لنقطة الصفر .. حيث لا ضغوط ولا خوف ! 

فمشكلتي ليست أني كئيب .. مشكلتي أني لم أعد أرى أي مزايا في الطموحات والأحلام .. 

لم يعد لدي طموحات إلا راحة البال .. أنام ليلًا وأذهب لعمل مناسب نهارًا .. ثم أجلس على المقهى مساءًا دون خوف من المستقبل ! 

يحكون عن "بوذا" أنهم حذروه من قدوم عاصفة شديدة .. فقال إنه ليس لديه زوجة ولا أولاد ولا كوخ ولا شعير .. إذن فلتزأر العاصفة !! 

فالسعادة بالنسبة لي تحولت إلى راحة البال وعدم الخوف من الفقد .. 

إذن لا مكان لطموحات عملية أخشى خسارتها .. لا مكان لأشخاص أعزاء أخشى فقدهم سواء بالرحيل أو الموت .. 

لا مكان لأحلام دنيوية .. فالدنيا محض أيام تمر سريعًا .. لاحظ آخر عشرة أعوام من عمرك وسترى كم مرت بسرعة ! 

ولو لاحظت .. فيومك 24 ساعة .. إذا خصمت منها ساعات النوم والعمل والطعام والحمام قد يتبقى لك 3 أو 4 ساعات منهم فحسب .. 

فليس من الضروري أن أقضيهم بزوجة وأولاد أو بأموال كثيرة .. إذا ذهبت إلى مقهى أو شاهدت فيلمًا أو تمشيت على البحر .. فقد انتهى يومي بالمعنى الحرفي !! 

فما الداعي أصلًا أن أدمر حياتي بالضغوط لأعيش سعيدًا 3 ساعات كل يوم !! 

في حين أن هناك أنواعًا أقل مجهودًا وتكلفة من السعادة .. ولا بأس بها أيضًا !! 

لذا فقد توصلت إلى الإجابة .. 

أنا لست مصابًا بالاكتئاب .. كل ما في الأمر أني فهمت الدنيا بشكل جديد .. ولا أفكر إلا في يومي وكيف أقضيه .. دون أي خطط مستقبلية من أي نوع .. 

ومع الوقت صنعت حولي قوقعة عزلتني عن مشاكل العالم .. بل عن مشاكلي الشخصية .. لم أعد أغضب من أحد .. لم أعد أتوقع أي شيء من أي شخص .. لا أنتظر اهتمامًا من أحد .. 

أستطيع أن أقول بثقة أني سعيد .. وحقًا لم أعد أهتم بأي أحداث من حولي .. 

فأنا لا أملك زوجة ولا أولاد ولا كوخاً ولا شعير .. إذن فلتزأر العاصفة !! 

No comments:

Post a Comment