Friday, July 26, 2019

هؤلاء البشر المهمون !!



هؤلاء البشر المهمون ! 

هناك طبيب نفسي شهير يدعى (عادل صادق) له عدة كتب تدل على براعة غير عادية في فهم النفسية البشرية .. 

من ضمن ما تحدث عنه قاعدة هي (أنا بخير وأنتم لستم بخير) .. وهي مهمة جدًا إذا اضطررت آسفًا للتعامل مع البشر الآخرين .. 

ولتفسح صدرك لي لأشرح لك مدى عبقرية (عادل صادق) .. واسمح لي بذكر اسمه دون ألقاب لأن هكذا يعامل العباقرة .. فشكسبير لا أحد يقول له (أستاذ ويليام شكسبير) مثلًا ! 

بالمناسبة الجملة السابقة لها علاقة مهمة بالمقال .. لكن لا داعي للاستعجال .. 

فالبشر لديهم طبع غريب .. حين يشاء له الحظ أن يصل لمكانة ما مهما كانت وضيعة تبدأ ذاته في التضخم .. ويبدأ في معاملة غيره بغرور عجيب ! 

حتمًا مررت بهذا مع أحد أصدقائك حين يعمل في مكان مرموق .. فيبدأ بتضخيم دوره ليشعرك كم هو مهم ورائع ! 

وتبدأ عبارات من نوعية (معلش أنا مقصر معاك .. بس انت عارف شغلي حساس قد إيه) في الظهور بينكما .. ويبدأ معك نوعًا خاصًا من التعالي كأنه خبير بالحياة ! 

هل شاهدت فيلم زكي شان ؟ تذكر مشهده مع صديقه الساذج الذي تمنى أن يصبح بودي جارد مثله ! 

أذكر في مرة أثناء تنظيمنا للنشاطات الثقافية .. أن اتصل بي واحد من فريق اعداد قناة CBC معلنًا رغبته في استضافتنا في حلقة بالقناة .. 

طبعًا كدت أجن من الفرحة !! فهذا دليل قاطع أننا ناجحون فعلًا ! 

وذهبت أنا وإحدى الزميلات .. في البداية استغربت قلة الاهتمام بنا .. وألقونا في حجرة ضيقة حتى يحين دورنا .. 

وحين دخلنا إلى الاستوديو لم ينظر المذيع حتى إلينا ! وحتى حين صافحته لم يظهر ذرة اهتمام واحدة ! 

لكن حين هدرت الكاميرات معلنة بداية البرنامج ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة .. وبدا عليه الانبهار الأبله بكل كلمة نقولها .. رغم أني اكتشفت أنه لم يعرف عنا حرفًا واحدًا إلا قبل الحلقة بدقيقة واحدة ! 

حتى حين أمسكت بالكوب الأنيق الذي وضعوه أمامي مطبوعًا عليه شعار القناة وجدته ممتلئًا حتى نصفه بالماء .. ولم يكن باردًا حتى !! 

في إشارة واضحة أن الأهم هو "المنظر" فقط ! 

وحين انتهى اللقاء عاد المذيع إلى عبوسه وتجاهله السابق .. ولم يوجه لنا كلمة شكر واحدة .. فاكتفيت بالنهوض وأنا أسبه بصوت خفيض "ده انت ابن ....." .. وغادرت المكان وأنا في قمة الإحباط .. مدركًا أن وجودنا كان مجرد صدفة لا أكثر .. ووسيلة لملء الساعات الميتة في القناة .. خاصة أن البرنامج كان في السابعة صباحًا .. أي أنه لا يوجد كلب بلدي حتى شاهده ! 

لكني فوجئت بتفاعل الزميلة مع الأمر ! 

كانت سعادتها جنونية .. وبدأت في التعالي على أي كيان ثقافي آخر من منطلق "احنا طلعنا عالتلفيزيون يا كلاب" وظلت تحكي للجميع بوقار كأنها نجمة ساطعة ! 

نعم .. مبدأ "أنا بخير وأنتم لستم بخير" 

كل نجاح حتى لو كان زائفًا ولا قيمة له يتحول إلى وسيلة للتسلق فوق الغير ومعاملته بتعالٍ مقرف ! 

كنت أعمل في مكان ما .. وفوجئت بشخص يرتدي بذلة ويلقي بأوامره يمينًا ويسارًا .. ويتعامل مع الجميع كأنهم خنافس كريهة الرائحة .. وحين سألت قال لي أحدهم بخوف "ده مدير التسويق في الإدارة الشرقية" ! 

مدير تسويق في إدارة واحدة .. ضمن شركة محلية سكندرية .. في دولة من دولة من دول العالم الثالث .. في أفقر قارة .. في كوكب واحد ضمن مجموعة شمسية متوسطة الحجم .. وتتعامل بهذا الغرور .. يا أخي ربنا يشفي الكلاب ويضرك !! 

أستغرب بشدة ممن يصرون على الألقاب في تعاملاتهم .. تجد شخصًا يسبق اسمه (السيد الأستاذ الدكتور مدير القطاع) .. ! 

قديمًا قالوا عن الشخص الذي يمسك بالشيشة ويبدو فخورًا بإمساكه "اللي" أنه يعاني ضعفًا جنسيًا ويعوضه باللي الطويل لا شعوريًا ! 

أشعر دومًا بنفس الشعور عندما أتعامل مع هؤلاء المهمين !! 

يقول أحمد خالد توفيق "لطالما تساءلت عن تلك المعجزة التي تجعل إنسانًا ما يشعر بالفخر أو الغرور .. ما الذي يعرفه هذا العبقري عن قوانين الميراث الشرعية ؟ هل يمكنه أن يعيد دون خطأ واحد تجربة قطرة الزيت لميليكان ؟ هل يمكنه أن يركب دائرة كهربية على التوازي ؟ كم جزءًا يحفظ من القرآن ؟ ما معلوماته عن قيادة الغواصات ؟ هل يستطيع إعراب (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) ؟ هل يمكنه كسر ثمرة جوز هند بين ساعده وعضده ؟ كم من الوقت يمكنه أن يظل تحت الماء ؟ الخلاصة أننا محظوظون لأننا لم نمت خجلًا من زمن من فرط جهلنا وضعفنا" .. 

تخيل كل هذا وتجد من يغير تعامله مع الناس لأنه أصبح "مدير مساعد رئيس قسم تصنيع عصا الأيس كريم" !! 

وتجد صديقك الهايف الذي كان يجلس معك على نفس القهوة البائسة يبدأ في التعالي عليك لأنه أصبح "مدير قسم" .. رغم أن القسم لا يضم إلا هو وعامل البوفيه أساسًا !! 

ويعاملك بشفقة مفخخة من نوعية "يا بني لازم تدور على شغل تاني بدل شغلك الهايف ده" .. من منطلق "أنا بخير وأنت لست بخير" !! 

بعض التواضع يا جماعة .. فالحياة سخيفة بقدر كافٍ .. ولا ينقصها شخص مزعج مثلك ! 

أنت مجرد شخص تافه في شركة تافهة إذا أغلقت اليوم فلن يتأثر العالم بمقدار ذرة ! 

لا تظن أن التعالي على من ترأسهم هو سر نجاحك .. فدعوة واحدة من شخص تحولت حياته إلى جحيم بسببك كفيلة بكعورتك على وجهك لتتسول في الشوارع !! 

ولا علاقة بالغرور بقيمتك بين الناس .. 

قيمتك الحقيقية في تواضعك مع الناس .. ليقولوا لبعضهم "أهو راجل مدير تقيل بس مننا وعلينا" .. 

أما إذا كنت مغرورًا فسيقولون "مدير في شركة تعبانة وعامل نفسه شبح" .. 

أنت لست مهمًا .. أنت لست ناجحًا .. أنت مجرد "ولا حاجة" .. والتوفيق ودعاء الوالدين فقط هو الذي جعلك في مكانك .. 

لا قيمة لك .. وإذا سقطت ميتًا الآن سيحزن أهلك لمدة أسبوع ثم ينسون كل شيء عنك .. لن تتوقف الكرة الأرضية عن الدوران .. 

عش تافهًا .. ومت تافهًا .. لكن بشرط أن تدرك تفاهتك !! 

ارحمونا يرحمكم الله .. 




No comments:

Post a Comment