Thursday, November 28, 2019

رسالة إلى الله



رسالة إلى الله .. 

من العبد الفقير .. إليك يا رب العالمين .. 
ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذه الرسالة .. 
فأنا أعلم أن تعليقات الجميع لن تخرج عن اتهامي بالإلحاد .. أو بالرياء على أقل تقدير .. 
لكني لا أوجه كلمة واحدة لهم .. أنا أكتب رسالة إلى إلهي العظيم .. رب العرش .. خالقي .. 
وإذا لم يتركوني أناجي خالقي بالطريقة التي أحتاجها .. فلا حاجة لي بهم أصلًا .. 
أنا مرهق يا الله .. 
أتعبتني الدنيا .. وأتعبني السؤال السرمدي الذي حير الجميع .. 
ماذا أفعل هنا ؟ 
ما جدوى وجودي ؟ 
ما سر خلقي ؟ 
شارف شبابي على الانتهاء .. ويئست من العثور على السر .. 
هل الهدف هو تعمير الأرض ؟ العمل على خير البشرية ؟ 
إذن لماذا حاولت جاهدًا ولم أنجح في هذا ؟ 
فأنت ـ سبحانك ـ تعرف نواياي .. وتعرف أني لم أهدف لأية أمجاد شخصية .. 
حاولت أن أكون نواة تنشر الفكر الصحيح لتعمير الأرض .. 
سعيت لنشر ثقافة التفكير .. أن يكون تعميري للأرض موجهًا لطاقة العقول .. لكني فشلت ! 
عشر سنوات من المحاولات .. وكل فشل يكون أسوأ مما قبله !! 
بل على العكس .. في البدء كنت واثقًا في نفسي وفي أهدافي .. والنهاية تحطم كل شيء ! 
سافرت إلى أقصى الأرض .. لأعمل في تعمير بيوت الفقراء .. إدراكًا مني أن مجال الهندسة لا يجب أن يقتصر على بناء بيوت وقصور الأثرياء .. 
فقط ليتضح بعدها أن من عملت معهم هم أشر اللصوص والنصابين قاطبة !َ! 
ليتحطم أملي في النهاية .. وأتحول إلى وغد آخر يكسب عيشه من خدمة الأثرياء وبناء مشروعاتهم .. 
هل هذه نهايتي يا الله ؟ 
من الشخص الحالم بمجتمع بلا جهل .. بفقراء لهم كرامة .. إلى شخص محطم عاجز لا يملك أن يساعد نفسه ؟ 
ربما بالفعل تعمير الأرض كما يقول الجميع هو "الزواج وإنجاب أطفال على خلق ودين يعمرون الأرض" .. 
إذن لماذا فشلت في كل مشروع زواج أقدمت عليه ؟ 
لماذا لم أجد نصفي الآخر ؟ 
أنت خالقي يا الله .. وتعرف كل ميزاتي وسوءاتي .. 
تعرف كل نواياي ... ولا أحد يعرفها إلا أنت .. 
قد يراني الآخرون شخصًا سيئًا .. شيطانًا .. وقحًا .. غريبًا .. 
لذا لا أستطيع أن أتوجه بالسؤال إلا لك ... لماذا ؟ 
لماذا فشلت رغم محاولتي بكل طاقتي ؟ 
لماذا لم أجد راحة البال إلا في الوحدة ؟ 
هل هذا هدف وجودي ؟ البقاء وحيدًا ؟ 
العمل نهارًا والتدخين على المقهى مساءً والنوم ليلًا ؟ فقط ؟ 
أنا أؤمن أنك خلقتنا جميعًا .. ونحن بشر مخيرون ولسنا مسيرين .. 
أؤمن أن كل ما يحدث هو باختيار البشر ... وليس رب البشر .. 
لكن البشر خذلوني يا ربي .. ولم أعد أرى في وجودهم إلا دافعًا للسخرية ... 
فقط حين أناجيك تخرج مشاعري الحقيقية .. مشاعر المحبط الغاضب اليائس .. المارد المحبوس في قمقم ضيق ... 
وأقول لك .. أنا تعبت ... 
عجزت عن التعامل مع الدنيا .. عجزت عن فهم البشر والاندماج معهم .. 
تحطمت أحلامي كلها .. طموحاتي كلها اتضح أنها مثيرة للضحك ... 
والمشكلة أني أعجز عن إنهاء مأساتي بيدي .. 
أخجل من ملاقاة وجهك الكريم منتحرًا يائسًا .. 
تمنيت أن أكون شخصًا له تأثير إيجابي على الدنيا ... فلم أنجح إلا في إثارة الشفقة في البداية والنفور في النهاية ! 
انفض الجميع من حولي .. واتضح أن الجميع كانوا يتحملون وجودي بصعوبة ... وينتظرون أي مبرر ليهربوا مني .. ! 
لماذا لم ترني الحقيقة منذ البداية ؟ 
لماذا يا الله تركتني مخدوعًا لسنوات ظننت فيها أن باستطاعتي فعل أي شيء ؟ 
لماذا تركتني أتوهم أني محبوب وناجح ومؤثر ؟ في حين أن الجميع يرونني مهرجًا لا أكثر ؟ 
لماذا تركتني أرتفع في السماء ثم أهوي محطمًا عنقي ؟ 
لما تتركني الآن تائهًا ضائعًا .. لا أعرف ما أفعله بعد ساعة من الآن ؟ 
أنا لست مؤمنًا مثاليًا .. 
أقصر في عباداتي كثيرًا .. 
ولست إنسانًا مثاليًا .. قد أكون ساخرًا بذيئًا عصبيًا لا أطاق .. 
فهل هذا عقابي ؟ 
كما عوقب اليهود بالتشتت والتشرد .. أعاقب أنا بالتشتت العقلي والتشرد النفسي ؟ 
هل أنا بهذا السوء ؟ 
أقول دائمًا لكل من حولي أنك خلقتنا ووضعتنا في دار الاختبار بلا تدخل منك ... وأن كل ما يحدث لأي شخص هو اختياراته أو اختيارات الأشخاص المحيطين به ... 
أقول أنك خلقتنا مخيرين .. نختار أن نساعد غيرنا أو لا .. نكون أشخاصًا خيرين أو أشرارًا .. باختيارنا الكامل .. 

يختار حكام الدول أن ينهبوا خيراتها .. ويعيش أهلها في ذل وفقر .. 

يختار البشر أن يكرهوا الخير ويسعوا في أذية غيرهم .. 

لكني دائمًا ما أتمنى أن أكون على خطأ .. أن تهديني إلى الطريق .. إلى راحة البال .. 

أن تقول لي ماذا أفعل هنا ؟ 

فقدت كل أمل .. وكل رغبة .. 

ولم أعد أريد إلا اللجوء لك سبحانك ... 

زهدت البشر والحياة بكل ملذاتها .. وتحولت إلى وعاء خال جاف ينتظر نهايته بصبر نافد .. 

لقد تعبت يا الله .. 

تعبت من البحث بلا جدوى .. تعبت من خواء الروح .. 

سحقتني الدنيا .. وأعجز عن الخروج منها ... 

كل ما أحتاجه هو علامة ... علامة تنير طريقي .. 

ماذا أفعل هنا ؟ 

ما جدوى وجودي ؟ 

ما سر خلقي ؟ 

لا أريد أن تكون نهايتي الوحدة أنتظر النهاية .. 

أريد أن أعرف ما أفعل !! 

أنا ضائع يا الله .. وما لي من ملجأ سواك ... 

عبدك الفقير 






No comments:

Post a Comment