مقال ناجح !!
قد تستغرب كيف يحكم كاتب على مقاله أنه ناجح .. لكني أؤكد لك بثقة .. هذا مقال ناجح !
وهذا ليس غرورًا مني لا سمح الله .. لكنه محض متابعة دقيقة لتطور عقلية القارئ المصري ..
فكما حكيت لك مرارًا .. كان لدي طموح قديم هو تطوير وعي الشعب عن طريق القراءة .. وظللت مؤمنًا كالأبله أني أستطيع فعلها .. و أكون فرقًا من الأدباء والكتّاب .. وننشر أعمالنا و ..
لكن المضحك أن هؤلاء الكتّاب لم يستطيعوا حتى الالتزام بكتابة مقال واحد شهريًا !!
في حين أن العبد لله في أسوأ أحواله النفسية والعقلية أنشأ مدونة حمضانة .. واستطعت الالتزام وحيدًا عامًا كاملًا كتبت فيه خمسة وعشرين مقالًا !!
ما علينا من الذكريات السوداء ..
المهم أني بشكل تلقائي أتابع نوعية الكتابات التي تجذب المصريين الآن .. لذا قررت أن يكون هذا المقال منتميًا لهذه النوعية .. لنبدأ إذن ..
كنت أتمشي يومًا في منطقتي .. حين رأيت أن "عم أحمد" فتح دكانه من جديد !
انفجرت قنبلة ذكريات بداخلي !
كان دكان عم أحمد قديمًا هو الوحيد في المنطقة المتخصص في إصلاح الأجهزة الكهربية ..
تصدر مكنستك أصواتًا عجيبة ؟ جهاز الفيديو يخرب الشرائط ؟ تسمع أصوات "خروشة" من الكاسيت ؟ إذن احمل جهازك واهرع إلى دكان عم أحمد الضيق ..
ستجده جالسًا .. شيخًا مهدمًا .. يرتدي نظارة سميكة جدًا لن تصدق أنه يرى بها شيئًا !
سيستقبلك بهدوء .. يخرج مفكاته وماكينة لحامه و .. و .. هوب .. تم إصلاح جهازك !!
مع مرور الأعوام .. تقدم عم أحمد في العمر .. وظهرت حوله محال إصلاح أجهزة عديدة راقية واسعة .. يعمل فيها شباب متحمس بأحدث طرق الصيانة .. !
في البداية حاول عم أحمد الاستمرار .. ومع الوقت وقلة العمل أصبح يفتح دكانه ليلًا فقط .. ثم أصبح يعمل يومًا ويغلق يومًا .. وهكذا .. إلى أن جاء يوم كئيب اختفى فيه تمامًا .. وظل المحل مغلقًا وقد تمكن التراب وعوامل التعرية من لافتته العتيقة .. واعتقدت أن الله قد توفاه ..
لكن فجأة ومع بدايات عام 2020 .. عاد العم العجوز أحمد !
كل المحلات الفخمة الراقية أغلقت .. كل الشباب المتحمس لم يستطع الاستمرار .. أما هو .. فعاد إلى دكانه القديم .. ولم يغير حتى اللافتة القديمة ..
عاد ليجلس على ذات الطاولة .. بنفس الأدوات .. بنفس النظارة السميكة .. وإن كان تقدم جدًا في العمر حتى لتستغرب قدرته على إمساك المفك والعمل !
لكن دكانه لم يخل من العمل .. وعاد الجميع يحمل أجهزته ويهرع إليه ..
ولا أنكر أن عودته مثلت لي عيدًا قوميًا .. رغم أنه لا يعرفني أساسًا .. لكنه تحول بالنسبة لي إلى رمز .. !
هل تأثرت ؟ أعجبتك القصة ؟
هذا ما أتكلم عنه ..
يمكنني الآن أن أكمل المقال على نهج "النوستالجيا" .. ورغمًا عنك سيدق قلبك وتشتعل ذكرياتك المشابهة !
سأحكي قصتين أو ثلاث أخريات من طفولتي .. ومهما كانت حمضانة وساذجة فلن تنتبه .. لأنك مشغول بذكرياتك الشخصية ..
ما رأيك أيضًا أن أربط هذه القصة بثورة 25 يناير ؟
الرئيس العجوز الذي اضطر للتنازل عن عرشه بسبب الشباب .. لكن الشباب عجز عن الاستمرار فعاد كل شيء إلى ما كان عليه .. ولم يتبق إلا عودة الرئيس إلى مكانه ؟
رمزية عبقرية كما ترى .. وقد ينال المقال آلاف اللايكات إذا فعلتها !
هل تذكر مسلسل يوسف الشريف (كفر دلهاب) ؟
منذ بداية حلقاته ظهرت نظريات الإسقاطات على الثورة و "ريحانة اللي اتقتلت هي الثورة .. ودمها هو سبب اللعنة" ..
هذا طبيعي مع الثورات الفاشلة للأسف على أية حال ..
لنر أيضًا ما يمكن فعله ..
قد أحول هذه القصة إلى حكمة ما .. لنقل "قد يأتيك النجاح متأخرًا .. فلا تيأس أبدًا" .. ويتحول الهدف إلى التنمية البشرية .. ولا بأس من إضافة قصة الكولونيل "ساندرز" مؤسس مطعم كنتاكي .. الذي بدأ نجاحه وهو في الخمسينات من عمره ..
ولا بد طبعًا من بعض حكم إبراهيم الفقي – سامحه الله ورحمه – المؤيدة للمعافرة والكفاح وعدم الاستسلام و ..
للأسف لا توجد فتيات في قصة عم أحمد .. ربما كنت لأضيف شقًا عاطفيًا للقصة .. مع بعض المحن .. وكان المقال لينجح أكثر وأكثر !!
وربما أصف اشتهائي للفتاة وأدخل العشق الجسدي في الموضوع فيزيد النجاح واللايكات و ..
ما رأيك ؟
قصة عابرة تحدث في كل مكان .. لكن عقليتك السطحية كقارئ مصري تمنح كاتبًا مغمورًا الفرصة للعبث بمشاعرك في كل الاتجاهات الممكنة !
ربما لهذا تجد زحامًا رهيبًا في معرض الكتاب .. وأعدادًا رهيبة من القراء والمؤلفين .. لكنك نادرًا ما تجد مثقفًا حقيقيًا تنبهر بآراءه أو بفلسفته في الحياة !!
السطحية .. هذه هي اسم اللعبة ..
لا يهم عمق الكتابات .. لا يهم كم أبواب التفكير التي تفتحها لك القراءة ..
المهم الآن أن يكون المقال مثيرًا للعواطف والغرائز بأنواعها .. ولا يهم أن يثير عقلك !
ما الحل ؟ لا يوجد حل .. اغلق المقال واعتبر أنك لم تقرأ شيئًا ..
كان معكم كاتبكم الكئيب المفضل .. وكان هذا مشروع مقالٍ ناجح .. لكني قررت إنهائه الآن ..
سلام .. !

No comments:
Post a Comment