مدير لا يصلح

مدير لا يصلح

-"لكن عليك أن تعترف يا صديقي أنك مدير فاشل .."

قالها صديقي واضعًا مبسم الشيشة في فمه وينفث دخانها كالمحترفين ..

فأعلنت اعتراضي بنفس عميق من شيشتي لأنفث دخانًا أكثر كثافة ..

-"لا أرى نفسي هكذا بصراحة .."

-"لا أقصد الفشل كمستوى فني .. لكنك طيب القلب أكثر من اللازم .. المدير الطيب لا يبقى في منصبه طويلًا كما تعرف "

-"لا يتعلق الأمر بالطيبة .. رأيت بنفسك كم مرة وضعت خططًا شيطانية لتحقيق أهدافي .. وكيف أستطيع الضرب تحت الحزام .. لكن يختلف الأمر تمامًا حين يتعلق الأمر بأشخاص تحت مسئوليتي المباشرة"

ضحك صديقي بشدة مصدرًا "شخللة" من صدره تبشر بسرطان رئة قريب من فرط التدخين ..

-"وها أنت قد فقدت مكانك بسهولة .. ألا يشير هذا إلى ضعف وجهة نظرك ؟"

سحبت نفسًا لأتحقق من وجود "شخللة" مماثلة في صدري .. وقلت بابتسامة :

-"على الأقل أنام ليلًا مرتاح الضمير .. في هذا الزمن العجيب تنام ظالمًا أو مظلومًا .. وبصراحة اخترت ألا أظلم أحدًا ."

-"من قال أن تظلم أحدًا ؟ لكن أن تضغط موظفيك لإخراج أفضل عمل ممكن .. وتحاسب المتقاعس حسابًا عسيرًا .. أليس هذا صميم عملك ؟ أليست أمانة تحافظ بها على مال العمل الذي ائتمنك عليه؟"

-"مسئوليتي هنا تقع من البداية .. عند اختيار الموظفين .. في رأيي هذه أهم مرحلة ..

مقابلة شخصية محترفة تظهر المتقاعس والضعيف والفاشل والخجول .. تكشف من يستجيب تحت الضغط .. ومن يسبب الضغط عليه انهياره أو ثورة كرامته .. الأمر ليس بهذه السطحية صدقني !"

نفث صاحبي دخانه بفم مفتوح علامة على ذهوله من حماقتي :

-"أين تظن نفسك ؟ في لوس أنجلوس ؟ تعرف أن معظم العاملين على الأقل يأتون عن طريق الواسطة .. لن يسمح لك أحد بتدقيق الاختيار أساسًا !"

-"إذن هي مشكلة صاحب العمل .. عليه ألا يطلب عملًا بمستوى لوس أنجلوس دون تحقيق شروط لوس أنجلوس .. هل إذا ترك "كلوب" تدريب ليفربول وجاء ليدرب غزل المحلة .. هل سيحقق نفس النتائج ؟ مستحيل يا صديقي !"

-"لكن هذا لا يمنع أن بعض الضغط يمنحانك هيبة وسط موظفيك !"

انطفأت ولعة الشيشة وتأخر القهوجي في تغييرها .. فأشعلت سيجارة لتزجية الوقت وقلت :

-"عرفت مهندسًا اسمه العيسوي .. نال احترام الجميع دون أن يؤذي أو يظلم أحدًا .. ويحرص على حقوق الجميع .. ولا يناديه أحد إلا باسمه دون ألقاب .. ورغم كل هذا يحقق دائمًا أفضل النتائج .. !"

-"تقول أن الشدة والحزم لا داعي لهما ؟ لا أقتنع بصراحة"

-"كما قلت لك نحن في زمن أسود .. والجميع يحتاج العمل .. لم أفهم أبدًا عقلية المدير الذي يحول حياة موظفيه إلى كابوس مستغلًا حاجتهم للراتب .. تخيل شخصًا يعود لمنزله مهمومًا كارهًا عيشته بسببك .. وربما يظرفك دعوة لباب السماء تخسف بك الأرض .. من يدري .. هل تضمن 100% أنك لم تظلمه ؟

عرفت مديرًا يؤكد دائمًا أنه "سأل شيخ وقال له إن تصرفه صح" .. وهو أمر يضحكني بصراحة .. فإذا افترضنا أنه شيخ حقيقي وليس "ملاكي" لامؤاخذة .. فتخيل أن تذهب إليه لتقول (لدي موظف سيء يتعمد أن يفسد العمل .. هل حلال أن أعامله بأسوأ طريقة؟) .. طبعًا سيقول الشيخ أنه حلال حلال حلال .. !

لا تخدع نفسك وتعتصر المبررات .. من المفترض أن لديك نظرة في موظفيك .. وتعرف من يقوم بأقصى جهده من عدمه .. وحتى المتقاعس .. تقع عليك مسئولية معرفة السبب .. وتطويره وتأهيله لتخرج أفضل ما فيه .. أو تمنحه عملًا يناسب قدراته ومجهوده .. أما أن تقتصر الإدارة على الصوت العالي والعصبية والضغط والاتهام بالتقصير .. فأنت لا تصلح إلا مديرًا لمزرعة يتعامل فقط مع الخراف والدجاج !!"

جاءت الولعة فانشغل صديقي بها للحظات .. ثم قال بسخرية :

-"بنظريتك فنحو90% من المديرين بالبلاد لا يصلحون .. غير منطقي"

أطفأت السيجارة وعدت للشيشة قائلًا وسط سحب الدخان :

-"إذا نظرت إلى حال البلد .. فسترى أن هذا هو المنطق بذاته .. إذا كانت النتائج فاسدة فالأساس حتمًا فاسد .. والقائمون عليه فاسدون .."

-"فليولي الله من يصلح"

ساد صمت مطبق بعدها .. لا يقطعه إلا صوت كركرة الشيشة الذي يتعالى مؤيدًا نهاية الحوار وتحوله إلى سحب دخان تتعالى في السماء بلا أي قيمة حقيقية ...