مجرد مقال تافه آخر !
من أسوأ التغيرات في الشخصية المصرية مؤخرًا , هي نظرية الاستسهال ..
وهي نظرية بسيطة جدًا قاعدتها الأساسية هي "لماذا أبذل جهدًا طالما يمكنني ألا أفعل؟"
لماذا أقضي وقتًا في إتقان عمل ما . طالما يمكنني أن "أضرب أي حاجة وخلاص" ؟
وتنتشر هذه النظرية في كل المجالات , بداية من طاهي المطعم الذي قرر أن يطعمك الدجاج نيئًا , حتى الموظفون في الأماكن الحساسة !
ومع تقدم التكنولوجيا صار الأمر أسهل . لماذا تتعب في تصميم ما طالما موقع Canva يمنحك نماذج جاهزة مجانية يستطيع طفل أن يستعملها ؟
لماذا تتعب في كتابة محتوى ما طالما هناك Chat GPT وآلاف المقالات القابلة للسرقة من على الإنترنت ؟
والعبد لله مصري أصيل .. تربى في أفقر الحارات , وشرب من نيلها حتى تسمم .. ونام على "البورش" في أشهر أقسام شرطتها .. وطالما الجميع يستسهلون .. فليحيا الاستسهال ثلاث مرات إذن !
خذ عندك مثلًا اسم المقال ..
هل تعرف معنى اسم شركة YAHOO! العالمية ؟
هي الحروف الأولى من جملة Yet another hierarchical officious oracle (مجرد قاعدة أوراكل هرمية فضولية أخرى) .
وحين اكتشف أصحابها وجود شركة بنفس الاسم , قاموا على سبيل الاستسهال – واخد بالك انت ؟ - بإضافة علامة التعجب في آخر الاسم ..
لذا من باب التكريم لأصحاب الشركة .. قررت سرقة نفس الاسم على سبيل الاستسهال !
تلاحظ أني كتبت نحو 200 كلمة دون أي هدف ؟ قلت لك أنه مقال تافه .. لكن وصولك إلى هذه النقطة في القراءة تعني أنك أيضًا تافه مثلي .. ولا تجد ما تفعله في حياتك أفضل من قراءة هذا الكلام الفارغ !
على أية حال دعني أحكي لك قصة مسلية تكسر ملل المقال .
منذ أعوام كنت أمشي في الشارع . فوجدت دجاجة ..
لا ليست مشوية ولا في محل "فرايد تشيكن" .. بل دجاجة حية تمشي بمنتهى الثقة تهز مؤخرتها في منتصف الطريق ..
وقبل أن أفهم وجدت سيدة غلبانة تقف بعيدًا وتقول لي برجاء "ممكن تقول للفرخة تجيلي؟"
استغربت صيغة الطلب . لو قالت مثلًا "هاتلي الفرخة دي" لكان الأمر مفهومًا .. لكن كيف أقول لها ؟
هل تتبع هذه السيدة الشركات التي تتفاخر بأن دجاجها "تربى في بيئة خالية من الضغوط" , وتؤكد أن هذا يجعل لحمها ألذ ؟ لكن أشك أن يصل عدم الضغط لدرجة المفاوضات المتحضرة مع الدجاج بدلًا من حمله !
هل افترضت من شكلي ومنظاري الطبي أني أبدو مثقفًا وأجيد لغة الدجاج ؟
على أية حال قررت أن أمسك العصا من المنتصف . ومشيت بهدوء حتى وقفت أمام الدجاجة التي نظرت لي بدهشة .. ثم أخذت نفسًا عميقًا و...
بخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ !!
انتفضت الدجاجة من الخضة وركضت فاردة جناحيها لتقفز في حضن السيدة !
رفعت رأسي بفخر وأنا أرحل متجاهلًا نظرات السيدة ـ والدجاجة ـ التي تتهمني بالجنون !
تسألني ما الهدف من هذه القصة ؟ لا هدف .. مجرد موقف تذكرته لا أكثر !
حسنًا لا تغضب . سأحكي لك واحدًا أفضل ويحمل مغزى وعبرة .
صباح أحد الأيام كنت أقف منتظرًا الميكروباص ..
وأنا لست شخصًا صباحيًا .. ولم أفهم يومًا هؤلاء الذين يستيقظون مبكرًا , ليتناولوا الإفطار ويقوموا ببعض التمارين ثم يذهبون للعمل بمنتهى الانتعاش !
أما أنا فأظل ذاهلًا وتعلو وجهي أعتى سمات الغباء لمدة لا تقل عن ساعتين .. أشرب فيها جالونًا من القهوة على أمل أن أفيق !
تخيل إذن حالتي وأنا واقف بالشارع أحاول فهم من أنا وأين أذهب ولماذا نحن هنا , لأجد سائق سيارة أجرة يقف أمامي . ويقوم بإنزال رجل عجوز من جواره , ويقول لي باستعجال "شوفه بالله عليك عايز يروح فين . بقاله ساعتين معايا مش فاهم منه حاجة" .. ثم قفز في سيارته وانطلق مسرعًا !
وقفت ناظرًا للعجوز بلا فهم . وتنحنحت قائلًا "عايز تروح فين يا حاج ؟"
وهنا انفتح الرجل في الكلام .. المشكلة أني لا أفهم حرفًا !
هناك حروف عربية تخرج . لكني لا أفهم شيئًا .. أتعرف إحساس سماع اللغة التركية ؟ حين تشعر أنها لغة عربية لكن الكلمات معكوسة ؟
هل هذا هو الحل ؟ كتب "أحمد خالد توفيق" قصة عن شياطين لغتهم هي العربية لكنها تنطق بالعكس .. وكان الشيطان طوال القصة يصيح "لوهلل دجملا .. توملل دجملا !" التي إذا قرأتها بالعكس ستكون "المجد للموت .. المجد للهول" .. إذن لأحاول عكس كلام الرجل لأفهمه و ..
ما هذا العبط ؟ لقد جننت حتمًا ..
المشكلة أن الرجل يتكلم كأنه اكتشف الكلام حالًا . وأنا لا أعرف ما أفعل, وقلبي لا يطاوعني على تركه والرحيل !
وهنا جاء الإنقاذ في هيئة شاب من الجيل الجديد . تبدو على وجهه علامات الخطورة والاهتمام كأنه سيحل أزمة مفاعل تشيرنوبل النووي .. ونظر لي كأنه يرى ذكر ضفدع .. وأخذ الرجل بحنان ليفهم القصة ..
هنا شعرت بارتياح .. وبدا لي السيناريو واضحًا ..
سيساعده الفتى ثم يعود للبيت ويكتب بوستًا طويلًا على الفيسبوك يشرح قصة الرجل وكيف أنقذه .. وربما يدعم البوست بفيديو بموسيقى حزينة أو بأغنية "واقف مصدوم" ..
مهما كانت نية الفتى فهو حتمًا قد أنقذني ..
ماذا ؟ تنتظر نهاية القصة أو أن أفسر لك قصة الرجل ؟ لا أعرف طبعًا .. قلت لك أن الشاب المهذب قد أخذه !
أما العبرة التي وعدتك بها . فهي أن تستيقظ باكرًا وتشرب الحليب لتكون نشيطًا في العمل ..
في حفظ الله .. سلام .






