Friday, October 21, 2022

كيف قابلت أمك ؟


كيف قابلت أمك ؟

(طريقة القصة مقتبسة من المسلسل الكوميدي الرائع How I met your mother .. نعم أخذت نفس الاسم على سبيل الاستسهال)

***



عام 2040 :

تعرف يا بني أن والدك صار كبير السن .. وكقاعدة لابد أن تجلس أمامي لأحكي لك ذكرياتي .. وتحتم نفس القاعدة أن تشعر بالملل وأن القصة لا تهمك أساسًا .. لكنك ستتابع الاستماع على سبيل الأدب ..

لكن اليوم سأحكي لك قصة ملهمة .. كيف قابلت أمك ؟ وهي قصة مشوقة للغاية وحافلة بالتفاصيل ..

سابقًا في عام 2013 كنت شابًا مليئًا بالطموح .. والعالم لا يتسع لأحلامي من فرط اتساعها !

وفكرة الزواج تعتبر من المحظورات .. ولا أفكر فيها من الأساس ..

كنت غارقًا في الثقافة والسياسة .. وأحاول الاستقرار في الحياة العملية .

وبالمصادفة كنت أمر على مكتبة يملكها أحد أصدقائي ..

وقال لي بحماس أن هناك مركزًا اسمه (المركز المصري الانجليزي للكتاب) يرديون عمل ناديًا لمناقشة الكتب .. ويحتاجون شخصًا ينظمه أسبوعيًا .. وأنه لا يرى من هو أنسب مني ..

كانت هذه هي نقطة البداية ..

جهزت برفقة أحد أصدقائي كل شيء .. وذهبنا في يومنا الأول ..

كنا معًا نشبه الكائنات الفضائية ..

شخصان لا يفكران إلا في القراءة وكتابة المقالات والقصص ومتابعة الأوضاع السياسية ..

وكنت أنا شخصًا بلا تجارب عاطفية على الإطلاق ..

كان هذا هو الوضع حين ظهرت "جيلان" أول مرة !

سأحكي لك كيف رأيتها من وجهة نظري حينها ..

رائعة الجمال .. واثقة من نفسها .. ثيابها ملونة مبهجة .. تتحدث بود بطلاقة مع الجميع .. واسعة الثقافة .. تتحدث الإنجليزية بطلاقة .. لها ابتسامة ساحرة تكشف أسنانها بالكامل ..

رائعة أليس كذلك ؟

لكن نصيحتي لك يا بني ألا تنخدع بالانطباع الأول .. خاصة إذا كنت لا تزال "خام" بلا تجارب كما كنت حينها !

فبعد أقل من خمس سنوات من هذه الأحداث .. تصفحت صور ذلك اليوم من نادي الكتاب .. وأعدت النظر إليها بأعين خبيرة ..

فتاة ربع حسناء .. تظن نفسها فاتنة .. تضع طبقات من مساحيق التجميل حتى أنك إذا هززتها بقوة سيغطينا جميعًا هباب أبيض كثيف .. ولعلها شعرت أن كل هذا لا يكفي لتقريبها من مهرج السيرك .. فقررت استكماله بثياب بألوان فاقعة مؤذية للعين .. وتريد أن تثير الانتباه وتحاول حشر كلمة إنجليزية في كل جملة لتظهر أنها راقية و ...

***

ـ"أبي .. هل جيلان هو اسمها الحقيقي فعلًا ؟"

قلت ضاحكًا :

ـ"كلا بالطبع .. لا أريد أن ترفع علي قضية تخرب بيتي !"

***

ما علينا ..

المهم فتنتي "جيلان" تمامًا .. ولأنني بلا تجارب فقد اكتفيت برؤيتها أسبوعيًا في نادي الكتاب .. بل ودعوتها للانضمام إلى الفريق الثقافي الذي كنا نشكله ..

وزاد كلامنا معًا لـ"ترتيب العمل" .. وكنت أنا سعيدًا كقط في موسم التزاوج ..

حتى جاء اليوم الذي اعترفت لها فيه بمشاعري ..

وأصبت بالذهول حين صارحتني أن المشاعر متبادلة !

وأن ما منعها من الاعتراف لي من قبل أنها تكبرني بأربع سنوات ..

لكنك تعرف والدك حين يتحمس لشيء ما ..

أقنعتها كم أنا مناسب لها .. وأن فارق السن لا يشغلني في شيء وأن المهم هو الحب والتوافق و .. و ..

لا تضحك .. أخبرتك أني كنت غرًا ساذجًا .. مفلس يعمل في شركة حمضانة براتب 400 جنيه شهريًا .. ويظن أن المستقبل سيستقبله بالأحضان !!

عشت معها أيامًا رائعة .. كان ينغصها فقط بعض الأمور التافهة ..

مثل أنها رفضت تمامًا أن يعلم أي أحد بما بيننا !

وتأكيدها الدائم أن "طبعًا الناس كلها مش هتصدق إنك خطبت واحدة زيي" !

دعك طبعًا حين تركتني في مرة لأن "أنا كتيرة عليك أوي" ..

وكانت تؤكد دائمًا أن إفلاسي لا يضايقها .. وقد صدقت بالفعل .. فلم تعايرني بفقري سوى سبع أو ثمان مرات فقط ..

فهي غير مادية .. لكنها تتمنى السكن في كفر عبده وامتلاك سيارة .. وأن تتناول الإفطار يوميًا في مكان فاخر ..

وكانت تأخذ رأيي حين يتقدم لها عريس ما ..

كما ترى كلها أمور صغيرة .. وغير كافية لأقطع علاقتي بها ..

طبعًا كانت فترة عجيبة .. خاصة أني كنت مضطرًا لتغيير شخصيتي بالكامل لأرضيها ..

تحولت من شخص مثقف انطوائي غامض .. يتعامل مع الكتب أكثر من البشر .. إلى شخص اجتماعي يحضر الاحتفالات وأعياد الميلاد ..

واضطررت لقبول الانضمام إلى شلة من الشباب والبنات من حاضري الندوات والـ"إيفنتات" .. فقط لأني لا أتخيل أن تخرج معهم بدوني في وجود رجال آخرين .. وهي قد خيرتني بين الانضمام لهم أو عدم الاعتراض على وجودها معهم !!

وكان هذا يا بني أول تعامل لي مع هذا المجتمع العجيب ..

حيث من العادي أن تختفي عدة ساعات وتقول بعدها ببساطة "معلش أصل وليد عنده مشكلة مع خطيبته فاتصل بيا يحكيلي" ..

وكل من يحضر ندوة ننظمها .. أجده ليلًا صديقًا لها على الفيسبوك .. ويضع تعليقات خفيفة الدم على بوستاتها وصورها .. لألعب أنا دور "أحمد حلمي" في فيلم الناظر "أنا عاطف كنت معاكم في نفس الندوة" !!

وتخيل أن أكون معها لنقابل صدفة "واحد صاحبها" !

بل وفي مرة في إحدى الندوات التي كنا ننظمها .. فوجئت بأغنية عيد ميلاد تعلو في المكتبة التي نجلس فيها ..

ووجدت الجارسون ـ النادل حتى لا يخرب مدرسوا العربية بيتي ـ يأتي بصينية عليها قطعتان من الـ"سينابون" .. وأحد الأوغاد ممن يسبسون شعرهم يأتي بابتسامة لزجة ليقول لجيلان :

ـ"كل سنة وانتي طيبة .. أنا قلت أحتفل بعيد ميلادك"

هنا ارتفع ضغطي .. ومادت بي الأرض خاصة حين وجدتها تبتسم بخجل وتشكره !

حينها تركت المكان كله وعدت إلى البيت غير مستوعب ما أتحول إليه بسبب هذه الفتاة !!

وحتى الآن لا أفهم هؤلاء البشر .. هل هناك فعلًا من يقبل بهذا ويبتسم كأن شيئًا لم يكن ؟

هكذا ظللت أخزن كل هذا .. وأكتم في نفسي لأني لا أتقبل خسارتها ..

بل وتقدمت لخطبتها بالفعل .. وحدث ما هو واضح لكل ذي أعين ..

رفضني والدها بسبب الماديات .. وبصراحة أحترم هذا الرجل الآن لالتزامه بضبط النفس ..

تخيل أن ترفض ابنته كل العرسان وارد الخليج الذين تقدموا لها .. ليأتي الشاب الأحمق الذي لا يملك شيئًا ويؤكد له أن "إن شاء الله ربنا هيكرم" .. وراتبه لا يكفي لفتح علبة جبن فضلًا عن فتح بيت !!

لكن على أية حال يا بني فقد استعاد والدك رجولته حينها .. ووقفت وسط ذلك المجتمع القذر في آخر ندوة أحضرها وشتمتهم واحدًا تلو الآخر ..

وقفو ضدي جميعًا وهي ضمنهم طبعًا .. لكن هذا لم يمنع إفراغي لكل شحنة العفونة من داخلي !

كنت أشتعل غضبًا .. وقد قررت تحطيم كل شيء كما فعل "أشرف عبد الباقي" في فيلم "خالي من الكولسترول" .. وحتى الآن أحتفل سنويًا بذكرى ذلك اليوم الذي سميته "عيد الغضب" !

طبعًا انتهت علاقتي بجيلان حينها ..وتزوجت هي بعدها بأشهر من واحد من الشلة إياها من الذين (عادي احنا زمايل وبنتكلم ومايقدرش يعدي حدوده معايا) .. واللطيف أنه نشر صورة يومًا تجمعهما في إحدى الندوات معلقًا (صورة من أول يوم اتقابلنا) .. عادي طبعًا لولا ملحوظة واحدة .. أني كنت واقفًا جوارها في نفس الصورة !!

وهكذا يا بني أنقذني والد جيلان ـ بارك الله فيه ـ من التحول إلى لامؤاخذة "خرونج" !

وهذه هي قصة أول تجربة عاطفية لي ..

***

عام 2040 :

ـ "آآ .. أبي هل اقتربنا من اللحظة التي قابلت فيها أمي ؟ هل كانت بعدها مباشرة؟"

-"لا طبعًا .. لقد قابلت أمك بعد عيد الغضب بسبع سنوات كاملة !"

ـ"قلت لي من قبل أنك خطبت قبل أمي مرتين .. ومررت بتسعة مشاريع خطوبة أخرى ؟"

-"نعم .. وهذه بالكاد القصة الأولى .. لا تستعجل !"

ونظرت له بشماتة وأنا ألمح نظرات الضيق والملل في عينيه ..


نهاية الجزء الأول



1 comment: