حكايات تافهة
هذا المقال سخيف ومضيع للوقت ..
لا تستغرب .. فقد أكدت لك مرارًا أني شخص هايف قمة الهيافة .. اكتفيت من لعب دور الشخص المهم بعدما فعلت كل شيء ..
اندمجت في النشاط السياسي والثقافي حتى الثمالة .. ظهرت في برامج تلفزيونية عديدة .. بل حتى الإذاعة التي لم يعد لها مستمعون ظهرت فيها عدة مرات ..
هذا يذكرني بحكاية تافهة ..
كنت يومًا في عملي .. وباعتباري مثالًا للكحرتة .. فقد كان موقع العمل إنشاءات في مكان ناءِ خاليا من الخدمات .. وهنا شعرت برغبة عارمة في تلبية نداء الطبيعة ..
تعرف ذلك الشعور ؟ مثانتك تكاد تنفجر .. يتحول العالم إلى شلال مائي منهمر .. مملكتي مقابل حمام !
بحثت بجنون بحث قيس عن ليلى .. حتى وجدته !
ياللراحة .. أظن أن كريستوفر كولومبس ذاته لم يشعر بهذه الراحة حين اكتشف أمريكا وهو ـ الأحمق ـ يظن أنه وصل للهند !!
دخلت الباب سريعًا حين رن هاتفي !
نظرت سريعًا لأجد أنه رقم أرضي قاهري .. رددت بعجالة وأنا بالفعل بدأت الاستعداد لاختبار كفاءة نظام الصرف الصحي في المكان ..
لأجد شخصًا مستعجلًا أكثر مني – لعله مزنوق هو الآخر ؟ ـ يقول بسرعة :
-"السيد حسام معي ؟ ستنضم حالًا في مداخلة بالبرنامج الصباحي بإذاعة القاهرة ."
ودون أن ينتظر ردًا حولني على الفور لأجد مذيعة متأنتكة تقول بوقار "ومعنا الآن المهندس حسام صادق ليحدثنا عن الحراك الثقافي بالإسكندرية" .
هنا ضربت بيدي على رأسي ..
مثانتي اتخذت وضع الاستعداد .. ولا توجد قوة بالعالم تستطيع إقناعها بالصبر !
ولم يكن هناك سوى حل واحد .. ولنشكر شركات المحمول بمصر على رداءة جودة الصوت !
بدأت تلبية نداء الطبيعة بهدوء وأنا أجيب أسئلة المذيعة بمنتهى الحنكة والوقار .. وقد ساعدتني راحة الشلالات المنهمرة على الإجابات .. ألا يسمونه "بيت الراحة" ؟
وأنهيت اللقاء مسجلًا أول حالة ـ لامؤاخذة ـ تفريغ مثانة على الهواء مباشرة في التاريخ الإعلامي !
ذكريات تافهة تليق بي بالفعل ..
العجيب في ذكرياتي أنها متنوعة للغاية ..
نمت مرتين على "البورش" في الزنزانة .. كما نمت في أفخم الفنادق .. ونمت في سيارة نقل معطلة فوق الجبال وسط الغابات في مالاوي بقلب إفريقيا !
مالاوي وحدها لها قصص تحتاج كتابًا كاملًا لحكايتها ..
خذ عندك مثلًا في بدايات وجودي هناك ..
كان عملي مقتصرًا على الإنشاءات التنموية هناك .. مساجد ..مدارس .. دور أيتام .. إلخ ..
ذهبت لمتابعة الأعمال في عدة إنشاءات كان من قبلي قد بدأها ..
دخلت قرية ننشئ فيها مسجدًا واسعًا .. وكان في مرحلة الأساسات ..
كنت قد اعتدت نسبيًا على تجمهر الأهالي الأفارقة حولنا .. وصراخ الأطفال "آلويا .. آلويا"
لكن هذه القرية بالذات كان أهلها متجهمين .. واستقبلونا بوجوه عابسة ..
لم أهتم كثيرًا .. وبدأت عملي أولًا بتثبيت لافتة تحمل اسم المشروع بمساعدة أحد العمال ..
حين سمعت فجأة صراخًا رهيبًا .. وترك العامل ما في يده وفر هاربًا !!
حين نظرت وجدت الأهالي مجتمعين حول "موسى لولي" المترجم المحلي الذي لا يفارقني .. وينهالون عليه ضربًا !
هرعت مسرعًا أسحب الفتى المالاوي المسكين من وسطهم .. ووضعته خلف ظهري ..
هنا أخرج الأهالي سيوفهم .. تلك السيوف القصيرة التي يقطعون بها فروع الأشجار ويسميها البلطجية عندنا "الماشيتا" .. وحلت العدوانية والشراسة محل العبوس في ملامحهم ..
هنا أدركت أنها النهاية .. من العسير طبعًا أن أجد من ينقذني في قرية "شيلونجا – 2" بقلب الغابات المالاوية .. حتى لو افترضنا وجود أحد قريب ففي الأغلب سيذهب لقرية "شيلونجا – 1" .. حتى السكان المحليون يخلطون بينهما !
اتخذت وقفة قتالية عظيمة تشبه وضعية "جوكو" في مسلسل "دراجون بول" .. وكنت أرتدي حذاء سيفتي ذو مقدمة معدنية .. وقررت قبل أن أموت أن أسبب عاهة مستديمة لواحد أو اثنين منهم .. فلنمت كالرجال والويل لمن يصرخ أولًا !
وهنا حدثت المعجزة ..
ظهرت نساء القرية فجأة .. والنساء هناك أقوياء جسديًا .. يملأن الماء في جرار ضخمة من النهر يوميًا .. ويحملن أطفالهن في إزار قماشي حول وسطهن طوال اليوم .. كما ترى هذا "جيم" كامل يدرب عضلاتهن كلها !
المهم انقضت النساء على الرجال وأمسكن بهم بقبضة حديدية .. فاتحين لنا ثغرة للفرار ..
وبالفعل سحبت "موسى" الذي تحول إلى عجين من العلقة الساخنة التي تلقاها .. وقفزنا في صندوق السيارة وصرخت في السائق أن ينطلق فورًا !
سألت موسى لاهثًا عن سبب تلك العدوانية .. فقال لي متألمًا :
-"القرية كلها مسيحيون .. ليس هناك مسلم واحد!"
استغرقت لحظة للاستيعاب ثم انفجرت ضاحكًا ..
تخيل قرية مسيحية تعاني أشد أنواع الفقر .. وحين تأتي المساعدة تكون ببناء مسجد ضخم !
الأحمق الذي كان مسئولًا قبلي لم يتحرى قبل أن يختار القرية لبناء المسجد !
كانت رحلتي هناك ثرية جدًا بالتفاصيل .. ولن يكفي مقال واحد لحكايتها مهما اختصرت ..
هل حكيت لك من قبل محاولتي للانتحار ؟
كان هذا بعد عودتي من مالاوي مباشرة ..
كنت في حالة اكتئاب حاد .. تخلى عني الجميع بسببها ..
كان هناك كابوس يطاردني بشكل شبه يومي .. أقف داخل مبنى وفجأة يظهر الشيطان أمامي ويبدأ بهدم المبنى فوق رأسي !
تخيل نفسية شخص يقتله الشيطان يوميًا !
حاولت مع طبيب نفسي شخص حالتي بالاكتئاب ـ وحياة أمه ؟ ـ وأعطاني دواءً لعينًا كان يجعلني أنام 20 ساعة يوميًا !
هكذا كنت أستيقظ ساعة ألعن فيها سنسفيل الطبيب ثم أعود للنوم .. طبعًا توقفت عن تناوله لأن هذا الدلع غير متاح لشخص يعمل 10 ساعات على الأقل يوميًا !
وهكذا استيقظت قبل الفجر يومًا ما .. وكتبت خطاب انتحار رائعًا .. وحرصت على تحسين خطي .. تخيل أن أترك آخر كلماتي ويعجز الجميع عن قرائتها بسبب سوء الخط !!
مشيت حتى وصلت إلى البحر .. ووقفت فوق "بلوك" حماية الشاطئ .. فكرت حينها أنه كان من الأسهل أن أقفز من سطح العمارة .. لما المشي والفرهدة ؟!
المهم وقفت للحظات .. ثم أدركت فجأة سخف الموقف .. وشعرت فجأة أني بطل فيلم رومانسي هايف تخلت عنه حبيبته ..
أتيحت لي الفرصة لأرى قبح الحياة .. وتمرمغت في قاذورات الدنيا بأشكالها .. إذن هل بعدما فهمت دناءة الدنيا وصرت خبيرًا في قذارتها .. أتركها لأذهب للمجهول ؟
وهكذا بدأت مشوارًا طويلًا للعودة إلى البيت ـ حقًا .. ما مشكلة سطح العمارة ؟ ـ ومزقت خطاب الانتحار .. وانفجرت ضاحكًا ونمت منتظرًا ظهور الشيطان وقد قررت أن أركله بين ساقيه هذه المرة قبل أن يهدم المبنى ..

❤❤
ReplyDelete