Friday, March 15, 2019

عن العوالم


عن العوالم ! 

أرى ابتسامتك الخبيثة ولعابك الذي بدأ يسيل حين قرأت العنوان .. لا .. ليس مقالًا عن الراقصات .. بل عن العوالم التي مفردها "عالم" .. ليس لامؤاخذة "عالمة" .. 
فمنذ سنوات حضرت إحدى حفلات التوقيع لكاتب جديد ... 
دخلت القاعة ولم يكن فيها سوى رجل أشيب خمسيني .. يجلس في الصف الخلفي .. 
انتقيت أبعد مكان عنه تلافياً لأي كلام معه .. خاصة والصداع يفتك برأسي .. والمشاكل حينذاك كانت تحاصرني من كل اتجاه .. فلم أكن مهيئًا نفسياً لأي تواصل مع البشر بخلاف تحطيم رؤوسهم .. ولولا دعوة شخصية لما حضرت أصلا ولاكتفيت بالجلوس في أي مكان هادئ .. 
المهم أني جلست أرشف قهوتي بصمت .. لكن الرجل ظل يحاصرني بنظرات ودود وابتسامة عريضة ..
ثم قال بهدوء : "مش عارفني ؟" 
نظرت له متمعناً .. ليس عمي ولا خالي ولا والدي على ما أظن .. هل هو رئيس الوزراء ؟ وزير الثقافة ؟ لا لم أضربه من قبل .. أنا أذكر كل من أذقته علقة ساخنة يوما ..
تحولت نظراتي إلى نظرة شبه متوسلة أن يعفيني من لعبة "أنا مييييين ؟" هذه .. فقال وابتسامته تزداد عرضاً حتى أوشكت أن تخرج من حدود وجهه : 
-"عبد السلام حسنين .. أنا مؤلف رواية (الخنفس الحزين)" 
طبعاً الأسماء وهمية لأني - ببساطة – نسيتها تماماً بعد الحفل .. 
المهم أني حاولت أن أتذكر أي شيء .. لا .. لم أسمع عنه أو عن روايته من قبل .. لكن لا بأس .. فلنرفق بهذا البائس .. رسمت على وجهي علامات المفاجأة والانبهار كإني العضو المؤسس في جمعية محبي الخنافس الحزينة ..وقلت له بسعادة : 
- "عارفك طبعاً .. يااااااااه .. الخنفس الحزين ؟ ياااااااااااااااه"
اتسعت ابتسامته أكثر حتى خشيت أن يتحطم فكه .. وهتف بحماس : 
- "قاعد بعيد ليه ؟ تعالى .. تعالى أقعد جنبي"
نهضت مهموماً وأنا أفكر جديا في خنقه حتى الموت ثم إحراق جثته .. 
- "الخنفس الحزين دي قعدت أكتب فيها كتير .. خدت مني مجهود جامد .. كانت هتتطبع في قصر ثقافة الأنفوشي لما كان ماسكه الكاتب العظيم (ممدوح السناكحلي) .. عارفه طبعاً أكيد .. بس طبعاً أعداؤه كتير ومشوه من القصر .. ومسكه شخص يعني بدون ذكر أسماء .. ولا أقولك هقول اسمه .. أنا عمري ما كنت بخاف .. مسكه (عبد العزيز الشهبوري) وشلته .. خربوه !!" 
ثم نظر لي نظرة حادة وأضاف بصرامة : 
- " إوعى تكون من شلة الشهبوري أو بتحب أعماله .." 
هززت رأسي بعنف لأنفي التهمة الشنيعة ورسمت علامات الاشمئزاز على وجهي .. الشهبوري ؟ ده خائن وعميل !! عليه اللعنة !! 
وأدركت أن الرجل لن يحل عن رأسي المسكين للأسف .. 
- "الشهبوري فضل يحاربني .. لحد ما بعدني عن قصر الأنفوشي .. و رحت طبعت الرواية في مكان تاني .. والحمد لله نجحت نجاح ساحق وكسرت الدنيا !!" 
كسرت الدنيا ؟ صحيح أني انطوائي بطبعي لكني حتماً كنت سأسمع عن الخنفس الحزين إذا كانت بهذا النجاح !! 
أنقذني قدوم شخص آخر يقاربه في السن .. وقبل أن أتنهد ارتياحاً فوجئت بالعم "عبد السلام حسنين" يصرخ من الفرحة .. ويحتضن ذاك الشخص 
- "أستاذنا الكبير (سعداوي الشوربجي) شخصياً ؟ عميد أدباء اسكندرية !!" 
من ؟ أين ؟ كيف ؟ عميد ؟؟ 
صافحني الأخ "سعداوي" بتواضع كأنه (نجيب محفوظ) شخصياً يصافح أحد المعجبين .. 
وجلس الاثنان سوياً .. وخلعت أنا مبتعداً قبل أن يتمسك بي هو الآخر .. واستمعت لحوارهما مرغماً : 
عبسلام : إزيك يا أستاذنا .. وأخبار اسكندرية إيه ؟ 
سعداوي (مع نظرة هيام بلهاء) : اسكندرية .. ياااه على اسكندرية .. تصدق يا عبسلام .. كاتبة شابة قال إيه جاية تقولي عايزة تكتب كتاب عن اسكندرية .. وعايزة تستعين بخبرتي !! تعرف إيه دي عن اسكندرية ؟ تعرف إيه عن المشي في شارع (غراب الأعمش) وقت الفجرية .. وطبق البليلة من عند (أم سيد) عالبحر ؟ 
عبسلام (يشد في شعره حرفياً من فرط النشوة) : الله .. الله يا أستاذنا !! الله !! 
سعداوي : فاكر يا عبسلام ؟ فاكر لما كنا بنحضر ندوات الأستاذ الكبير (محسن الشنكحاوي) ؟ الندوات دي طلعت عظماء غيروا وجه اسكندرية خالص !! 
عبسلام (يلطم من فرط النوستالجيا) : الله !! الله !! أستاذ محسن .. الله !!! 
وصل كاتبنا الهمام ـ عريس حفل التوقيع ـ بعدها لينقذني .. واستغللت الفرصة لأجلس في مقعد بجوار الحائط .. وذهبت في نوم عميق حتى انتهت الحفلة !! 

*** 

استعدت توازني بعد عدة أيام .. وأخذت أفكر في هذه الأحداث الغريبة .. 
هذان شخصان يعيشان في عالم مستقل .. عالم آخر له مقاييس وأبطال ومشاهير وربما رئيس مختلف !! 

هل هما مجنونان ؟ لا أعتقد .. 

ففي زمننا أصبحت "الرطرطة" هي اسم اللعبة .. 

هناك مليون مطرب .. ومليون كاتب .. ومليون مصور .. كل شيء هناك الكثير منه ! 

والنتيجة أن كل مجموعة انغلقت على نفسها .. وصار لها فنانوها ورموزها المستقلون !! 

مثال .. أنت شخص حداثي تسمع أغاني الأندرجراوند ... ربما كان "أمير عيد" هو أفضل مغنٍ بالنسبة لك ... لكنك قد تتحدث عنه في تجمع ما .. فلا تجد من يعرفه !! 

هل معنى هذا أنه فاشل ولم ينجح ؟ بتاتًا !! 

كل ما في الأمر أنه ليس من "عالمهم" .. هم من عالم آخر قد يكون أفضل من فيه هو عبد الحليم حافظ أو حماقي أو محسن هنداوي ... هنداوي مين ؟ لا أعرف ... لكن حتمًا هناك مطرب بهذا الاسم !! 

الأزمة هنا أنك قد لا تعرف إذا كنت ناجحًا فعلًا في مجالك أم لا .. 

قد يكون لديك جمهور من ألف شخص يعتبرونك أعظم اكتشاف حصل منذ اكتشاف الحشيش ! 

وقد يكون هناك مليون آخرون يرونك أحمقًا فاشلاً ... وآخرون لم يسمعوا عنك أساساً !! 

هذه الأزمة هي جزء من اشمئزازي من الواقع الحالي ... 

لم تعد هناك معايير للنجاح ... لا توجد معايير للموهبة .. 

والكارثة أن تجد شخصا مثل عبسلام ... لم تسمع عنه في حياتك .. لكنه نجم في عالم البعض ... 

لتجد الجميع من حولك قد تحولوا إلى نجوم ... كل شخص له جمهور من 10 أشخاص يتعامل معك بتعالٍ وعنتظة ... 

والنتيجة ؟ اتساع الهوة بين الجميع ... وتفرق البشر إلى مجموعات صغيرة .. وكل مجموعة ترى نفسها الفرقة الناجية ... وتحيط نفسها بأسوار عالية .. 

النتيجة هي فوضى كاملة .... لأن الأمر لا يقتصر على المواهب والفنون ... بل ينطبق على الآراء السياسية والدينية والحياة العملية و .. و .. 

فقد يكون لك رأي سياسي تقتنع به تمام الاقتناع .. وتجالس يومًا جماعة من عالم مختلف ... فيثبتون لك بالدليل أنك أحمق .. وأن رأيهم هو الصواب .. والكارثة أنك قد تقتنع !! 

جربت فترة أن أتابع توفيق عكاشة ... اكتشفت بعد يومين أن أي شخص قد يتغير تفكيره تمامًا إذا واظب على متابعته مدة طويلة ! 

إذن لم لا تفكر ؟ 

قد تكون مسلماتك ومعتقداتك وثوابتك قد تكونت من العالم الذي تعيش فيه .. ربما تكون خاطئة .. أو مجرد تخاريف .. 

من أدراك أن عالمك هو الصحيح ؟ من أدراك أن مطربك المفضل موهوب ؟ ربما يكون حمارا ينهق لا أكثر ! 

أذكر أني أعطيت إحدى المثقفات كتبًا لد.أحمد خالد توفيق لأنها فاجأتني أنها لم تسمع عنه من قبل !! 

في اليوم التالي أعادتها لي قائلة ببرود : "خد الكتب دي .. مليش أنا في الهري ده" !! 

شعرت بالإحباط .. الأمر أكبر من مجرد اختلاف آراء ... أصبح أي تواصل مع البشر معناه عبثًا بالثوابت والمبادئ ... 

كم مرة شعرت أن صديقك تغير ولم يعد نفس الشخص ؟ 

هو لم يتغير .. هو فقط انتقل لعالم آخر .. اهتماماته مختلفة .. وأفكاره مختلفة .. وأنت لست جزءًا منه ! 

هل شعرت بالدوار والإحباط ؟ 

إذن نصيحتي لك ـ كالعادة ـ هي أن تتجنب البشر ... تعتزلهم تمامًا .. وتحتفظ بمعتقداتك لنفسك .. وأن تكون أنت الجماعة ... ولا تستمع لأحد .. ولا تلزم أحدًا أن يستمع لك ... 

في الواقع حل أي مشكلة هو أن تعتزل البشر .. هذا هو الطريق الملكي نحو السعادة .. و .. 

لكن هذا مقال آخر .. إذن ليكونن هذا المقال القادم ...

Friday, March 8, 2019

أكذوبة ..


أكذوبة .. 

أؤمن أن الكاتب يجب أن يمر بتجارب عديدة .. ويكون قوي الملاحظة .. ليستطيع ترجمة ما رآه في مقال أو قصة أو رواية .. 

يسألني أحد الأذكياء .. وماذا يفعل كاتب الرعب أو الأكشن ؟ 

يا أحمق لا يجب أن يمر بالقصة الكاملة .. فهو لا يكتب مذكراته ! 

بل أعني أن يكون الأساس هو ملاحظة أو مشاهدة له ... 

مثلًا لا أهضم أن تكتب فتاة لم تتجاوز 13 عامًا عن مشاكل الزواج .. أو تكتب على لسان رجل عجوز مثلًا !! 

خذ عندك مثلًا من المواقف التي ألهمتني بهذا المقال ... 

في فترة عرفت فتاة .. عادية الشكل أو أدنى قليلًا ... ليست "مزة" تلوي أعناق الشباب في الطريق .. ولو كنت متحرشًا فحتمًا لن أحاول التحرش بها ... 

لا مشكلة عندي في هذا ... لكني لاحظت أنها لا تكف عن اعتبار نفسها فاتنة وملكة جمال !! 

لا تتكلم إلا عن المشاكل التي تواجهها بسبب جمالها ... وعن عروض الزواج التي تنهال عليها .. بل أنها كتبت على الفيسبوك في مرة أن "كنت في فرح مرة وفي واحدة لما لقيتني حلوة أوي فضلت تحوم لحد ما كلمتني عايزة تخطبني لإبنها" ! 

قلت ربما هي مريضة نفسيًا أو معقدة ... ليشفها الله .. 

لكني لاحظت أن جميع صديقاتها لا يتوقفن عن مدح جمالها !! 

حتى أنها رفعت صورة مرعبة لها على الفيسبوك .. وهي تتمايل بدلال .. حين رأيتها استعذت بالله من الشيطان الرجيم ... لكني فوجئت بتعليقات من نوعية "الله يخرب بيت جمالك" .. أو "انتي شبه منى زكي أوي يا لولو" ... طبعًا لو قرأت منى زكي هذا لحررت محضر سب وقذف وخربت بيت الفتاة !! 

عادي ... هززت كتفي وقلت : ياللنساء !! 

تجاوزت الأمر ... 

في يوم آخر جاءني أحدهم يشكو لي مشاكله مع زوجته ... ويصفها بأبشع الصفات ... 

قلت له ببساطة أنني لأعرف من المخطئ يجب أن أسمع الطرفين ... فربما كنت أنت وغدًا تضربها وتلسعها بملعقة ساخنة يوميًا ! 

نظر إلي بغيظ وصمت ... وتوقف بعدها نهائيًا عن أخذ رأيي في مشاكله .. وعرفت بعدها أنه اختص صديقًا مشتركًا بشرف معرفة مشاكله .. 

وحين سألت ذلك الصديق عن كيفية كسب ثقته قال لي : ببساطة أريحه و أقف في صفه على طول الخط ... وأقنعه أنه ملاك مجنح وزوجته شيطان ذو قرنين ... فيرتاح وينبسط أقصى انبساط !!! 

حينها فكرت ... 

ما هي نسبة الحقيقة في حياتنا ؟ 

هل يمكن أن يكون كل من حولنا "يريحوننا" فقط ؟ 

قلي لي .. هل أنت شخص جيد ؟ 

نعم ؟ من يقول هذا ؟ والدتك ؟ أختك ؟ صديقك المقرب ؟ 

هل صوتك جميل في الغناء ؟ هل أنت شاعر موهوب ؟ 

من يؤكد لك هذا ؟ أصدقاؤك ؟ أضحكتني ! 

ربما تكون فاشلًا عديم الموهبة ... ربما تكون شخصًا سمجًا ثقيل الدم ... لكن من حولك لا يقولون هذا ليس من باب الحب .. بل من باب "ترييح الدماغ" ... فلو قال لك أحدهم أنك شخص سيء فإما أن تتشاجر معه .. أو ستحاول أن تقنعه أنك لست كذلك ... في الحالتين ستتسبب له في الصداع .. لذا يريحك بأي كلمة !! 

في مرة قررت أن أقوم بتجربة صغيرة .. أرسلت مقالًا لي لأحد الأصدقاء لأعرف رأيه ... فامتدح أسلوبي بشدة .. وأكد أني "خسارة في البلد" ... وأني يجب أن أحترف الكتابة !! 

طبعًا لم يلحظ أني في وسط المقال كتبت سطرًا شتمته فيه بالاسم بأبشع الألفاظ !!! 

لسبب بسيط .. أنه لم يقرأه من الأساس .. .لكنه قرر أن يريح دماغه بكلمتين لأتركه في حاله !! 

ماذا إذا كانت حياتنا بالكامل خدعة كبيرة ؟ 

ماذا إذا كان كل من تحبهم أو تتخذهم قدوة لك ببساطة يخدعونك ؟ 

ماذا لوكنت شخصا سيئًا لكن من حولك يحتاجونك لمصلحة ما .. فيتغزلون في جمالك ؟ 

أو ربما تكتشف أن كل من تتابعهم باعتبار آراءهم في الحياة تنير لك الطريق ببساطة مجرد أوغاد ؟ 

وبمناسبة الآراء ... 

في مرة وجدت فتاة تتكلم في أحد الندوات عن شركة ما ... 

تقول أن هذه الشركة لا تقوم بتعيين إلا الملتحين والمنتقبات ... وأنهم يجبرون الشباب على توقيع إقرار ألا يحلق لحيته طوال فترة عمله في الشركة !! 

فوجئت بكم التصديق لكلامها من الجميع .. وانهال الجميع بالشتائم على الشركة ... 

تدخلت في الكلام ببساطة لأني أعمل في ذات الشركة !!!! 

أكدت لهم أن هذا الكلام خيال في خيال ... وأريتهم إثباتاً أني أعمل فيها ... وأني أحلق لحيتي بانتظام .. بل وأكدت لهم أنه تعمل معنا سكرتيرة ذات خلفية حضارية فاتنة ... ترتدي ما لذ وطاب من الضيق والقصير ... وتلتف أعناق الجميع كلما تحركت !! 

وكانت النتيجة أن الشتائم تحولت من الشركة لتنهال على رأس العبد لله باعتباري كاذبًا منافقاَ !! 

هل تذكر حين انتشر أمر أن الحكومة ترمم المعابد الأثرية بمبيضي المحارة ؟ 

أذكر أني رأيت الصور حينها .. وبحكم تخصصي كمهندس مدني عرفت فورًا أنها مزيفة وغير حقيقية .. 

لكن حتى الآن قد تجد من يتكلم عنها وينشر ذات الصور !! 

وهناك مقال مشهور عن "جويس باندا" رئيسة دولة مالاوي في جنوب افريقيا .... 

وباعتباري كنت أعمل في مالاوي لفترة ... أرسل لي هذا المقال حوالي 20 شخصًا .. بل في مرة نشرته الصفحة الرسمية لعصام حجي !! 

يقول المقال أن جويس باندا باعت الطائرات الرئاسية .. وقامت بتخفيض رواتب الوزراء للنصف ... لأن هذا المال من حق الشعب .. وطبعًا لابد بعدها من البكائيات على حالنا ... 

سألت مواطنًا مالاويًا من زملائي هناك .. فضحك بشدة وقال لي بسخرية "جويس باندا ؟ لقد حكمت فترة مؤقتة لمدة عام ... وقد نهبت كمًا مهولًا من المال في هذا العام .. وهي الآن تحاكم بتهمة الفساد" .. 

منذ عام وجدت خبرًا صغيراً يقول "الحكم على جويس باندا رئيسة مالاوي السابقة بالسجن" .. 

خبر صغير لم ينتبه له أحد .. ولازال مقال "بيع الطائرات الرئاسية" ينتشر حتى الآن !!! 

طبعًا لن أخبرك عن دولة "رواندا" .. التي لا يكف الجميع عن الحديث عن "عاصمة رواندا فازت بلقب أقل العواصم فسادا" .. فبالتأكيد أنت أذكى من أن تصدق هذا !! 

لحظة .. أنت تصدق هذا فعلًا ؟ وتقول أنهم أطلقوا قمرًا صناعيًا لتوفير الانترنت مجانًا ؟ يا لك من أحمق !! 

الخلاصة أني أصبت بالرعب ! 

لقد عرفت كذبة الشركة إياها لأني أعمل فيها .. 

وعرفت خدعة المحارة لأني مهندس مدني .. 

وعرفت فساد جويس باندا لأني عشت في مالاوي .. 

إذن ماذا عن ملايين الأخبار والمقالات المنتشرة عن الشركات والتخصصات والدول الأخرى ؟ 

كيف أتأكد منها ؟ 

إذن نحن ـ ببساطة ـ نعيش في مستنقع وسط أصدقاء وأهل يجاملوننا بالكذب .. وأشخاص ينشرون بوستات ومقالات غير حقيقية لكنها فقط تؤيد رأيهم لذا يرونها الحقيقة الكاملة !! 

نحن نعيش كذبة كبيرة ... أكذوبة مرعبة أدواتها المجاملة والفبركة والفوتوشوب !! 

نعيش نسخة أخرى من فيلم Wag The Dog .. ونسخة قاتمة من رواية 1984 .. كل ما يصل لنا له غرض خفي ... 

نحن لسنا في عصر العولمة وسهولة انتشار المعلومات ... 

بل نحن في عصر الخداع والإشاعات والكذب ... 

قد تكون شخصًا عديم الموهبة والأخلاق ... ولكن من حولك يخدعونك .. 

قد يكون رأيك السياسي مكونًا من معلومات مزيفة وإشاعات .. 

قد تكون معلوماتك بالكامل غير حقيقية ... قد تكون جزءًا من الماتركس فقط لا غير !! 

إذن ما الحل ؟ 

كما قلت من قبل ... اعتزل الجميع .. ابتعد عن أي تجمع يؤمن كل أفراده بنفس الآراء ... كن وغدًا متشككاً ولا تصدق شيئًا .. 

وعليك أن تتأكد أن كل معلومة تصلك لها غرض خفي خبيث .. 

لا تصدق 100% مما تسمع .. ولا 50% مما ترى بعينيك ... 

ولا تصدق من يقول لك كم أنت رائع أو كم أنت سيء .. كن أنت الحكم على نفسك .. 

نحن في أيام سوداء يا صاحبي .. نعيش في أكذوبة كبيرة .. ولن يكون أحد صريح معك إلا أنت !!! 


Friday, March 1, 2019

مقال متفائل وسعيد ..



مقال متفائل وسعيد .. 

لمست بنفسي ردود الأفعال على المقالين السابقين .. 

تنوعت الآراء بين "الله يحرقك يا شيخ" و "يخرب بيت كآبتك" ... وقطعًا لابد من الكثير من "انت إيمانك ضعيف" .. 

على أية حال منذ البداية ذكرت أنها مدونة كئيبة .. وكاتبها شخص بائس كئيب ... كما أن المدونة بالكامل متشحة بالسواد من ساسها لراسها .. !! 

فماذا توقعت أن تقرأ ؟ وصفات طبخ الشيف شربيني ؟ 

لكني قررت أن أرحمك من الكآبة قليلا .. يكفيك شلال الدم المحيط بك في كل مكان ... وسيكون هذا المقال متفائلًا مشرقًا .. 

عم نتحدث اليوم ؟ 

ما رأيك أن نتحدث عن الفنون ؟ 

نعم ... خاصة أن حفل الأوسكار كان منذ عدة أيام ... الفرصة مناسبة إذن ! 

لاحظ الراحل "أحمد خالد توفيق" أن الأوسكار أصبحت تمنح الآن للأفلام التي تتحدث عن (اليهود – الزنوج – الشواذ) .. كم كان بعيد النظر !! 

يكفي أن "رامي مالك" فاز بالأوسكار عن أداء شخصية مغنٍ شاذ .. لم يكف عن تقبيل الرجال طوال الفيلم .. كما ترى هذا فيلم عبقري أكاد أجزم أن صناعه كانوا يجهزون أنفسهم للجائزة قبل تصوير مشهد واحد منه ! 

إذا كانت هذه معايير أكبر جائزة في العالم ... فبرأيك ما هي معايير نجاح الفن في دولة مثل مصر ؟ 

لا ... لن أتكلم عن الأفلام ... فالخلطة معروفة .. إما راقصة ومطرب شعبي .. وإما بطل مثالي مفعم بالفحولة والرجولة ويحمل ترسانة مسدسات ... 

يكفي أن قصة أي فيلم مصري لا تتجاوز الكلمات التالية في أي صحيفة : (يحكي الفيلم عن مسعد الشاب المصري البسيط الذي يحب جارته سعاد ويريد الزواج منها .. لتتوالى المواقف والمفارقات ) 

ما رأيك أن نتكلم عن الكتابة ؟ 

دخلت لفترة في أوساط الأدباء ... ولاحظت عدة أشياء .. 

أولها أن الموهبة لا علاقة لها بالنجاح !!! 

لكي تكون كاتبًا ناجحاً عليك أولًا أن تدخل في شلة من شلل الأدباء ! 

هذه الشلة سوف "تزيط" لك ... يكتبون بوستات عن مدى روعة كتابتك ... وسيتصلون بمعدي البرامج ليستضيفوك لتتحدث في البرامج عن إبداعك اللامتناهي ! 

سوف يحضرون حفلات توقيع كتابك .. وبالمقابل تحضر حفلاتهم .. يشبه الأمر النقطة التي توزع في الأفراح ... 

إذا لم تفعل هذا فلن يسمع أحد عنك .. وستجلس في حفل توقيعك وحيدًا مع أمك وخالتك ! 

وثانيًا عليك دائمًا أن تكتب ما يريده الجمهور .. 

أكتب عن الحب والمشاعر الجريحة .. وستهلل لك الفتيات .. حتى لو كانت كتاباتك معفنة !! 

لا تعرف كيف تكتب عن الحب ؟ طبيعي ... يكفي أنك الآن لا تجد فتاة تقبلك .. وتقضي وقتك في قراءة مقالات كاتب مغمور كئيب فاشل ! 

اتجه للسياسة ... أكتب أي شيء .. لكن المهم ألا تكون محايدًا ولا عقلانيًا ... بل كن متعصبًا متحمسًا لأحد أطراف الصراع ... 

ستجد المؤيدين لهذا الطرف يغرقونك بالمديح والإطراء .. وسيعتبرونك أعظم كاتب في جيلك !! 

صحيح أن الطرف الآخر سيغرقك بالشتائم أيضًا ... لكن هذا يعتبر نجاحًا وشهرة أيضًا .. 

بمناسبة الشتائم .. يمكنك أيضًا أن تغرق كتاباتك في الإباحية والوساخة ... 

أذكر كاتبًا كتب قصة إباحية كاملة تشمل كل التفاصيل .. أدق التفاصيل ... 

ألقي القبض عليه بعد نشرها .. لكني أعتقد أنه كان يوم سعده ... لأن كل دعاة الحرية دافعوا عنه بحجة "حرية الإبداع" ... وانتشرت قصته واسمه كالنار في غابات الكيكويو بأفريقيا .. 

وما أسهل الكتابة الإباحية ... تشاهد فيلمًا على سبيل التسخين ... ثم تمسك القلم وتكتب بسرعة ولعابك يسيل على الورق .... 

هذه خلطة ناجحة كما ترى ... 

طيب .. هذه هي الطرق المتاحة لك للنجاح .. هل ذكرت كلمة "الموهبة" في أي منها ؟ 

لا ... الموهبة هي آخر ما يهم ! 

أنا الآن أقودك كقارئ إلى فخ محكم .. لا تقاوم ... 

من قال أن هذا ينطبق على الكتابة أو الفن فقط ؟ 

ركز معي ... كم مرة تعاملت في عملك مع شخص كفء ... يجيد عمله .. ملتزم ... لا يثير المشاكل .. وعلاقته طيبة مع الكل ؟ 

كثيرًا أليس كذلك ؟ 

الآن قل لي .. كم شخصًا بهذه المواصفات وصل إلى منصب كبير أو أصبح مرموقًا ؟ ولا واحد !! 

فمعنى الكفاح تغير كثيرًا في السنوات الماضية ... 

تحول الكفاح من التطور والتعلم واكتساب الخبرات ... إلى الكفاح في الزياط وتظبيط العلاقات وحب الظهور والتعريص "لا أجد لفظًا أقل وطأة للأسف" !! 

فكلما زادت علاقاتك وتشعبت ... وكلما كنت متحدثًا لبقًا أنيقًا ... كلما ضمنت النجاح أكثر ! 

أعرف الآن أنك تذكرت شخصًا بهذه الصفات ... وهو ناجح أكثر منك .. ووضعه الاقتصادي والاجتماعي أفضل منك ... 

أرسل لي أحدهم مرة صفحة لعيادة طبيبة شابة ... يقال أنها ناجحة والمرضى لا ينقطعون عنها ... لأجد الطبيبة الفاتنة لا تقوم بأي دعاية إلا أنها تأخذ السيلفي في عيادتها ... وترفع فيديوهات لها تتكلم بدلال ... ولا كلمة عن الفنيات أو الكفاءة المهنية ! 

أفكر متحسرًا في طبيب آخر قد يكون أفضل منها ألف مرة ... لكنه تخين بنضارة منطفئ اجتماعيًا تمامًا .. والنتيجة أنه يلعب "سبايدر سوليتير" لمدة 3 ساعات في عيادته يوميا ثم يعود لمنزله !! 

قد يقول قائل أن "أكيد طالما عنده ضمير ربنا هيكرمه" ... هذا القائل لا يختلف عن الأخ الذي لا يكف عن الـ"كل ده خير" الذي ضربه "محسن" علقة ساخنة في المقال السابق .. 

الكفاح والمعافرة الآن لا معنى لهما ... يكفيك الزياط والعلاقات ... 

أذكر أننا حاولنا مرة أن نفتتح شركة مقاولات تختص بالتشطيبات ... قدمنا أسعارًا أفضل ... خدمات أفضل ... اتخذنا خطوات التسويق الصحيحة ... لكننا فشلنا !! 

وحين سألنا العارفين قالوا لنا بابتسامة غامضة "ظبطوا علاقات مع لواء جيش" ! 

ولى زمن الكفاح يا صاحبي ... 

لا تضيع وقتك في تطوير نفسك أو الكورسات الباهظة ... فقط كن ظريفًا فهلويًا .. ولا تفوت فرصة للظهور وتكوين العلاقات .. 

في رواية باب الخروج يعمل البطل في مقر رئاسة الجمهورية ... ينصحه أحدهم بأن يطلب من واسطته أن ينقل للعمل مع الرئيس شخصيًا .. وحين يندهش البطل عن معرفته أنه جاء عن طريق الواسطة يقول ضاحكًا "كل من هنا جاءوا بالواسطة ... ربما حتى الرئيس شخصيًا !" 

لم تقتنع ولازالت أحلامك وردية بالكفاح والحفر في الصخر لتصل بمجهودك ؟ أنا آسف يا سيدي ... 

اذهب وكافح وعافر ... وأنا سأعود بظهري للوراء وأراقبك وأضحك ... 

وحين تفشل لا تأتي إلي لتشكو همك .... 

هل رأيت الفخ ؟ استدرجتك بعنوان المقال والأفلام والفنون ثم هوووب ... ألقيت الكآبة في وجهك كما يرمي الفأر "جيري" الفطيرة في وجه القط "توم" ... 

بالشفا يا حبيبي ...