Friday, March 8, 2019

أكذوبة ..


أكذوبة .. 

أؤمن أن الكاتب يجب أن يمر بتجارب عديدة .. ويكون قوي الملاحظة .. ليستطيع ترجمة ما رآه في مقال أو قصة أو رواية .. 

يسألني أحد الأذكياء .. وماذا يفعل كاتب الرعب أو الأكشن ؟ 

يا أحمق لا يجب أن يمر بالقصة الكاملة .. فهو لا يكتب مذكراته ! 

بل أعني أن يكون الأساس هو ملاحظة أو مشاهدة له ... 

مثلًا لا أهضم أن تكتب فتاة لم تتجاوز 13 عامًا عن مشاكل الزواج .. أو تكتب على لسان رجل عجوز مثلًا !! 

خذ عندك مثلًا من المواقف التي ألهمتني بهذا المقال ... 

في فترة عرفت فتاة .. عادية الشكل أو أدنى قليلًا ... ليست "مزة" تلوي أعناق الشباب في الطريق .. ولو كنت متحرشًا فحتمًا لن أحاول التحرش بها ... 

لا مشكلة عندي في هذا ... لكني لاحظت أنها لا تكف عن اعتبار نفسها فاتنة وملكة جمال !! 

لا تتكلم إلا عن المشاكل التي تواجهها بسبب جمالها ... وعن عروض الزواج التي تنهال عليها .. بل أنها كتبت على الفيسبوك في مرة أن "كنت في فرح مرة وفي واحدة لما لقيتني حلوة أوي فضلت تحوم لحد ما كلمتني عايزة تخطبني لإبنها" ! 

قلت ربما هي مريضة نفسيًا أو معقدة ... ليشفها الله .. 

لكني لاحظت أن جميع صديقاتها لا يتوقفن عن مدح جمالها !! 

حتى أنها رفعت صورة مرعبة لها على الفيسبوك .. وهي تتمايل بدلال .. حين رأيتها استعذت بالله من الشيطان الرجيم ... لكني فوجئت بتعليقات من نوعية "الله يخرب بيت جمالك" .. أو "انتي شبه منى زكي أوي يا لولو" ... طبعًا لو قرأت منى زكي هذا لحررت محضر سب وقذف وخربت بيت الفتاة !! 

عادي ... هززت كتفي وقلت : ياللنساء !! 

تجاوزت الأمر ... 

في يوم آخر جاءني أحدهم يشكو لي مشاكله مع زوجته ... ويصفها بأبشع الصفات ... 

قلت له ببساطة أنني لأعرف من المخطئ يجب أن أسمع الطرفين ... فربما كنت أنت وغدًا تضربها وتلسعها بملعقة ساخنة يوميًا ! 

نظر إلي بغيظ وصمت ... وتوقف بعدها نهائيًا عن أخذ رأيي في مشاكله .. وعرفت بعدها أنه اختص صديقًا مشتركًا بشرف معرفة مشاكله .. 

وحين سألت ذلك الصديق عن كيفية كسب ثقته قال لي : ببساطة أريحه و أقف في صفه على طول الخط ... وأقنعه أنه ملاك مجنح وزوجته شيطان ذو قرنين ... فيرتاح وينبسط أقصى انبساط !!! 

حينها فكرت ... 

ما هي نسبة الحقيقة في حياتنا ؟ 

هل يمكن أن يكون كل من حولنا "يريحوننا" فقط ؟ 

قلي لي .. هل أنت شخص جيد ؟ 

نعم ؟ من يقول هذا ؟ والدتك ؟ أختك ؟ صديقك المقرب ؟ 

هل صوتك جميل في الغناء ؟ هل أنت شاعر موهوب ؟ 

من يؤكد لك هذا ؟ أصدقاؤك ؟ أضحكتني ! 

ربما تكون فاشلًا عديم الموهبة ... ربما تكون شخصًا سمجًا ثقيل الدم ... لكن من حولك لا يقولون هذا ليس من باب الحب .. بل من باب "ترييح الدماغ" ... فلو قال لك أحدهم أنك شخص سيء فإما أن تتشاجر معه .. أو ستحاول أن تقنعه أنك لست كذلك ... في الحالتين ستتسبب له في الصداع .. لذا يريحك بأي كلمة !! 

في مرة قررت أن أقوم بتجربة صغيرة .. أرسلت مقالًا لي لأحد الأصدقاء لأعرف رأيه ... فامتدح أسلوبي بشدة .. وأكد أني "خسارة في البلد" ... وأني يجب أن أحترف الكتابة !! 

طبعًا لم يلحظ أني في وسط المقال كتبت سطرًا شتمته فيه بالاسم بأبشع الألفاظ !!! 

لسبب بسيط .. أنه لم يقرأه من الأساس .. .لكنه قرر أن يريح دماغه بكلمتين لأتركه في حاله !! 

ماذا إذا كانت حياتنا بالكامل خدعة كبيرة ؟ 

ماذا إذا كان كل من تحبهم أو تتخذهم قدوة لك ببساطة يخدعونك ؟ 

ماذا لوكنت شخصا سيئًا لكن من حولك يحتاجونك لمصلحة ما .. فيتغزلون في جمالك ؟ 

أو ربما تكتشف أن كل من تتابعهم باعتبار آراءهم في الحياة تنير لك الطريق ببساطة مجرد أوغاد ؟ 

وبمناسبة الآراء ... 

في مرة وجدت فتاة تتكلم في أحد الندوات عن شركة ما ... 

تقول أن هذه الشركة لا تقوم بتعيين إلا الملتحين والمنتقبات ... وأنهم يجبرون الشباب على توقيع إقرار ألا يحلق لحيته طوال فترة عمله في الشركة !! 

فوجئت بكم التصديق لكلامها من الجميع .. وانهال الجميع بالشتائم على الشركة ... 

تدخلت في الكلام ببساطة لأني أعمل في ذات الشركة !!!! 

أكدت لهم أن هذا الكلام خيال في خيال ... وأريتهم إثباتاً أني أعمل فيها ... وأني أحلق لحيتي بانتظام .. بل وأكدت لهم أنه تعمل معنا سكرتيرة ذات خلفية حضارية فاتنة ... ترتدي ما لذ وطاب من الضيق والقصير ... وتلتف أعناق الجميع كلما تحركت !! 

وكانت النتيجة أن الشتائم تحولت من الشركة لتنهال على رأس العبد لله باعتباري كاذبًا منافقاَ !! 

هل تذكر حين انتشر أمر أن الحكومة ترمم المعابد الأثرية بمبيضي المحارة ؟ 

أذكر أني رأيت الصور حينها .. وبحكم تخصصي كمهندس مدني عرفت فورًا أنها مزيفة وغير حقيقية .. 

لكن حتى الآن قد تجد من يتكلم عنها وينشر ذات الصور !! 

وهناك مقال مشهور عن "جويس باندا" رئيسة دولة مالاوي في جنوب افريقيا .... 

وباعتباري كنت أعمل في مالاوي لفترة ... أرسل لي هذا المقال حوالي 20 شخصًا .. بل في مرة نشرته الصفحة الرسمية لعصام حجي !! 

يقول المقال أن جويس باندا باعت الطائرات الرئاسية .. وقامت بتخفيض رواتب الوزراء للنصف ... لأن هذا المال من حق الشعب .. وطبعًا لابد بعدها من البكائيات على حالنا ... 

سألت مواطنًا مالاويًا من زملائي هناك .. فضحك بشدة وقال لي بسخرية "جويس باندا ؟ لقد حكمت فترة مؤقتة لمدة عام ... وقد نهبت كمًا مهولًا من المال في هذا العام .. وهي الآن تحاكم بتهمة الفساد" .. 

منذ عام وجدت خبرًا صغيراً يقول "الحكم على جويس باندا رئيسة مالاوي السابقة بالسجن" .. 

خبر صغير لم ينتبه له أحد .. ولازال مقال "بيع الطائرات الرئاسية" ينتشر حتى الآن !!! 

طبعًا لن أخبرك عن دولة "رواندا" .. التي لا يكف الجميع عن الحديث عن "عاصمة رواندا فازت بلقب أقل العواصم فسادا" .. فبالتأكيد أنت أذكى من أن تصدق هذا !! 

لحظة .. أنت تصدق هذا فعلًا ؟ وتقول أنهم أطلقوا قمرًا صناعيًا لتوفير الانترنت مجانًا ؟ يا لك من أحمق !! 

الخلاصة أني أصبت بالرعب ! 

لقد عرفت كذبة الشركة إياها لأني أعمل فيها .. 

وعرفت خدعة المحارة لأني مهندس مدني .. 

وعرفت فساد جويس باندا لأني عشت في مالاوي .. 

إذن ماذا عن ملايين الأخبار والمقالات المنتشرة عن الشركات والتخصصات والدول الأخرى ؟ 

كيف أتأكد منها ؟ 

إذن نحن ـ ببساطة ـ نعيش في مستنقع وسط أصدقاء وأهل يجاملوننا بالكذب .. وأشخاص ينشرون بوستات ومقالات غير حقيقية لكنها فقط تؤيد رأيهم لذا يرونها الحقيقة الكاملة !! 

نحن نعيش كذبة كبيرة ... أكذوبة مرعبة أدواتها المجاملة والفبركة والفوتوشوب !! 

نعيش نسخة أخرى من فيلم Wag The Dog .. ونسخة قاتمة من رواية 1984 .. كل ما يصل لنا له غرض خفي ... 

نحن لسنا في عصر العولمة وسهولة انتشار المعلومات ... 

بل نحن في عصر الخداع والإشاعات والكذب ... 

قد تكون شخصًا عديم الموهبة والأخلاق ... ولكن من حولك يخدعونك .. 

قد يكون رأيك السياسي مكونًا من معلومات مزيفة وإشاعات .. 

قد تكون معلوماتك بالكامل غير حقيقية ... قد تكون جزءًا من الماتركس فقط لا غير !! 

إذن ما الحل ؟ 

كما قلت من قبل ... اعتزل الجميع .. ابتعد عن أي تجمع يؤمن كل أفراده بنفس الآراء ... كن وغدًا متشككاً ولا تصدق شيئًا .. 

وعليك أن تتأكد أن كل معلومة تصلك لها غرض خفي خبيث .. 

لا تصدق 100% مما تسمع .. ولا 50% مما ترى بعينيك ... 

ولا تصدق من يقول لك كم أنت رائع أو كم أنت سيء .. كن أنت الحكم على نفسك .. 

نحن في أيام سوداء يا صاحبي .. نعيش في أكذوبة كبيرة .. ولن يكون أحد صريح معك إلا أنت !!! 


1 comment: