مقال متفائل وسعيد ..
لمست بنفسي ردود الأفعال على المقالين السابقين ..
تنوعت الآراء بين "الله يحرقك يا شيخ" و "يخرب بيت كآبتك" ... وقطعًا لابد من الكثير من "انت إيمانك ضعيف" ..
على أية حال منذ البداية ذكرت أنها مدونة كئيبة .. وكاتبها شخص بائس كئيب ... كما أن المدونة بالكامل متشحة بالسواد من ساسها لراسها .. !!
فماذا توقعت أن تقرأ ؟ وصفات طبخ الشيف شربيني ؟
لكني قررت أن أرحمك من الكآبة قليلا .. يكفيك شلال الدم المحيط بك في كل مكان ... وسيكون هذا المقال متفائلًا مشرقًا ..
عم نتحدث اليوم ؟
ما رأيك أن نتحدث عن الفنون ؟
نعم ... خاصة أن حفل الأوسكار كان منذ عدة أيام ... الفرصة مناسبة إذن !
لاحظ الراحل "أحمد خالد توفيق" أن الأوسكار أصبحت تمنح الآن للأفلام التي تتحدث عن (اليهود – الزنوج – الشواذ) .. كم كان بعيد النظر !!
يكفي أن "رامي مالك" فاز بالأوسكار عن أداء شخصية مغنٍ شاذ .. لم يكف عن تقبيل الرجال طوال الفيلم .. كما ترى هذا فيلم عبقري أكاد أجزم أن صناعه كانوا يجهزون أنفسهم للجائزة قبل تصوير مشهد واحد منه !
إذا كانت هذه معايير أكبر جائزة في العالم ... فبرأيك ما هي معايير نجاح الفن في دولة مثل مصر ؟
لا ... لن أتكلم عن الأفلام ... فالخلطة معروفة .. إما راقصة ومطرب شعبي .. وإما بطل مثالي مفعم بالفحولة والرجولة ويحمل ترسانة مسدسات ...
يكفي أن قصة أي فيلم مصري لا تتجاوز الكلمات التالية في أي صحيفة : (يحكي الفيلم عن مسعد الشاب المصري البسيط الذي يحب جارته سعاد ويريد الزواج منها .. لتتوالى المواقف والمفارقات )
ما رأيك أن نتكلم عن الكتابة ؟
دخلت لفترة في أوساط الأدباء ... ولاحظت عدة أشياء ..
أولها أن الموهبة لا علاقة لها بالنجاح !!!
لكي تكون كاتبًا ناجحاً عليك أولًا أن تدخل في شلة من شلل الأدباء !
هذه الشلة سوف "تزيط" لك ... يكتبون بوستات عن مدى روعة كتابتك ... وسيتصلون بمعدي البرامج ليستضيفوك لتتحدث في البرامج عن إبداعك اللامتناهي !
سوف يحضرون حفلات توقيع كتابك .. وبالمقابل تحضر حفلاتهم .. يشبه الأمر النقطة التي توزع في الأفراح ...
إذا لم تفعل هذا فلن يسمع أحد عنك .. وستجلس في حفل توقيعك وحيدًا مع أمك وخالتك !
وثانيًا عليك دائمًا أن تكتب ما يريده الجمهور ..
أكتب عن الحب والمشاعر الجريحة .. وستهلل لك الفتيات .. حتى لو كانت كتاباتك معفنة !!
لا تعرف كيف تكتب عن الحب ؟ طبيعي ... يكفي أنك الآن لا تجد فتاة تقبلك .. وتقضي وقتك في قراءة مقالات كاتب مغمور كئيب فاشل !
اتجه للسياسة ... أكتب أي شيء .. لكن المهم ألا تكون محايدًا ولا عقلانيًا ... بل كن متعصبًا متحمسًا لأحد أطراف الصراع ...
ستجد المؤيدين لهذا الطرف يغرقونك بالمديح والإطراء .. وسيعتبرونك أعظم كاتب في جيلك !!
صحيح أن الطرف الآخر سيغرقك بالشتائم أيضًا ... لكن هذا يعتبر نجاحًا وشهرة أيضًا ..
بمناسبة الشتائم .. يمكنك أيضًا أن تغرق كتاباتك في الإباحية والوساخة ...
أذكر كاتبًا كتب قصة إباحية كاملة تشمل كل التفاصيل .. أدق التفاصيل ...
ألقي القبض عليه بعد نشرها .. لكني أعتقد أنه كان يوم سعده ... لأن كل دعاة الحرية دافعوا عنه بحجة "حرية الإبداع" ... وانتشرت قصته واسمه كالنار في غابات الكيكويو بأفريقيا ..
وما أسهل الكتابة الإباحية ... تشاهد فيلمًا على سبيل التسخين ... ثم تمسك القلم وتكتب بسرعة ولعابك يسيل على الورق ....
هذه خلطة ناجحة كما ترى ...
طيب .. هذه هي الطرق المتاحة لك للنجاح .. هل ذكرت كلمة "الموهبة" في أي منها ؟
لا ... الموهبة هي آخر ما يهم !
أنا الآن أقودك كقارئ إلى فخ محكم .. لا تقاوم ...
من قال أن هذا ينطبق على الكتابة أو الفن فقط ؟
ركز معي ... كم مرة تعاملت في عملك مع شخص كفء ... يجيد عمله .. ملتزم ... لا يثير المشاكل .. وعلاقته طيبة مع الكل ؟
كثيرًا أليس كذلك ؟
الآن قل لي .. كم شخصًا بهذه المواصفات وصل إلى منصب كبير أو أصبح مرموقًا ؟ ولا واحد !!
فمعنى الكفاح تغير كثيرًا في السنوات الماضية ...
تحول الكفاح من التطور والتعلم واكتساب الخبرات ... إلى الكفاح في الزياط وتظبيط العلاقات وحب الظهور والتعريص "لا أجد لفظًا أقل وطأة للأسف" !!
فكلما زادت علاقاتك وتشعبت ... وكلما كنت متحدثًا لبقًا أنيقًا ... كلما ضمنت النجاح أكثر !
أعرف الآن أنك تذكرت شخصًا بهذه الصفات ... وهو ناجح أكثر منك .. ووضعه الاقتصادي والاجتماعي أفضل منك ...
أرسل لي أحدهم مرة صفحة لعيادة طبيبة شابة ... يقال أنها ناجحة والمرضى لا ينقطعون عنها ... لأجد الطبيبة الفاتنة لا تقوم بأي دعاية إلا أنها تأخذ السيلفي في عيادتها ... وترفع فيديوهات لها تتكلم بدلال ... ولا كلمة عن الفنيات أو الكفاءة المهنية !
أفكر متحسرًا في طبيب آخر قد يكون أفضل منها ألف مرة ... لكنه تخين بنضارة منطفئ اجتماعيًا تمامًا .. والنتيجة أنه يلعب "سبايدر سوليتير" لمدة 3 ساعات في عيادته يوميا ثم يعود لمنزله !!
قد يقول قائل أن "أكيد طالما عنده ضمير ربنا هيكرمه" ... هذا القائل لا يختلف عن الأخ الذي لا يكف عن الـ"كل ده خير" الذي ضربه "محسن" علقة ساخنة في المقال السابق ..
الكفاح والمعافرة الآن لا معنى لهما ... يكفيك الزياط والعلاقات ...
أذكر أننا حاولنا مرة أن نفتتح شركة مقاولات تختص بالتشطيبات ... قدمنا أسعارًا أفضل ... خدمات أفضل ... اتخذنا خطوات التسويق الصحيحة ... لكننا فشلنا !!
وحين سألنا العارفين قالوا لنا بابتسامة غامضة "ظبطوا علاقات مع لواء جيش" !
ولى زمن الكفاح يا صاحبي ...
لا تضيع وقتك في تطوير نفسك أو الكورسات الباهظة ... فقط كن ظريفًا فهلويًا .. ولا تفوت فرصة للظهور وتكوين العلاقات ..
في رواية باب الخروج يعمل البطل في مقر رئاسة الجمهورية ... ينصحه أحدهم بأن يطلب من واسطته أن ينقل للعمل مع الرئيس شخصيًا .. وحين يندهش البطل عن معرفته أنه جاء عن طريق الواسطة يقول ضاحكًا "كل من هنا جاءوا بالواسطة ... ربما حتى الرئيس شخصيًا !"
لم تقتنع ولازالت أحلامك وردية بالكفاح والحفر في الصخر لتصل بمجهودك ؟ أنا آسف يا سيدي ...
اذهب وكافح وعافر ... وأنا سأعود بظهري للوراء وأراقبك وأضحك ...
وحين تفشل لا تأتي إلي لتشكو همك ....
هل رأيت الفخ ؟ استدرجتك بعنوان المقال والأفلام والفنون ثم هوووب ... ألقيت الكآبة في وجهك كما يرمي الفأر "جيري" الفطيرة في وجه القط "توم" ...
بالشفا يا حبيبي ...

1
ReplyDelete