Friday, August 7, 2020

هلاوس بلا هدف


هلاوس بلا هدف 

أجلس في القهوة وحيدًا .. 

أفتح الـ"لاب توب" في محاولة لكتابة مقال جديد .. أتأمل الصفحة البيضاء بلا سوء .. لم أكتب كلمة واحدة .. 

هل انتهت أفكاري أخيرًا ؟ 

لا أعرف حتى من أين أبدأ .. 

هنا امتدت يد عابثة تغلق شاشة الجهاز .. نظرت لصاحبها .. إنه صديقي .. 

صديقي : مازلت تكتب ؟ 

أنا : أحاول .. لم أرك منذ زمن .. 

صديقي : مشاغل الدنيا كما تعرف .. 

أنا : نعم نعم .. الحجة الأبدية .. 

صديقي "بتعاطف" : أعرف أن الوحدة صعبة .. لكنك لست مضطراً للبقاء وحدك .. 

أنا : صدقني البعد عن الناس غنيمة .. بعد عشر سنوات حتمًا ستكون أعصابي أهدأ وسأنسى وجود الناس أصلًا ! 

صديقي : إذن لما لا نرى حالك بعد عشر سنوات ؟ 

أنا "بسخرية" : و كيف سنفعلها ؟ 

(يصفق صديقي بيده فيظهر شخص ثالث على الطاولة معنا .. لحظة .. إنه أنا !! لكنه يبدو أكبر سناً !) 

صديقي : ها هو أنت بعد عشرة أعوام .. فلنسمع رأيه ! 

أنا 2030 : لا جديد .. رأيي هو نفس رأي نسختي منذ عشرة أعوام .. الأمور ستسوء أكثر في الأعوام العشرة التالية على أية حال .. 

أنا : لن أحقق أي شيء بعد عشرة أعوام ؟ 

أنا 2030 : لا 

أنا : اللعنة .. 

صديقي "مهدئًا" : لحظة .. لم لا نأخذ رأي نسخة من الماضي لنقل عام 2011 ؟ لعله يكون سبباً في استفاقة كليكما ! 

أنا : لا بأس .. 

(يصفق صديقي مرة أخرى .. تظهر نسخة أخرى .. ياللهول .. كم كنت شابًا حينها !) 

أنا 2011 : هاه ؟ أين أنا ؟ كنت في اجتماع مصيري لترتيب المجلة التي سنصدرها ..أعيدوني بسرعة إلى هناك !! 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا : مازلت تفكر في هذه التفاهات ؟ كبر دماغك .. لن تصل لأي شيء صدقني .. أحدثك بعد نحو عشر سنوات في المستقبل ! 

أنا 2030 : وأنا أحدثك بعد عشرين عامًا .. نفس الرأي .. 

أنا 2011 : لعلكما وصلتما لحلمنا بطريقة أخرى غير المجلات والكتابة ؟ 

أنا و أنا 2030 معًا : لا 

أنا 2011 : اللعنة ! 

أنا : لا تغضب .. ستتعلم كثيرًا في تلك الفترة .. ولن تظل ساذجًا كما أنت الآن ! 

أنا 2011 : إذن لن نغير الواقع ؟ 

أنا : لا .. 

أنا 2011 : على الأقل أصبحت الكتابة هي مصدر رزقي ؟ 

أنا : لا .. 

أنا 2011 : اللعنة .. 

صديقي "مهدئًا" : لحظة .. جميعنا نعرف أن أحلام فترة المراهقة والشباب لا تتحقق غالبًا .. دعونا لا نخرج عن موضوعنا .. نحن نتحدث عن السعادة .. نسختكم الحالية يقول أن اعتزال البشر هو السعادة الحقيقية .. ما رأيك يا 2011 ؟ 

أنا 2011 : لأكون صريحًا لا أعرف .. لا أنكر أني أحن للوحدة أحيانًا .. لكن لتحقيق الأحلام لا بد من وجود البشر ! 

أنا : لازلت حالمًا أحمق ! يا أخي إذا لم تأخذ بنصائح نفسك المستقبلية فأنت معتوه تمامًا ! 

أنا 2011 : لعلك على حق .. لكن ربما يتغير الواقع .. ربما حين أعود لزمني أنجح في تغيير مستقبلي .. لقد انقلب حال البلاد كلها في 18 يومًا من الثورة فحسب .. ولم يكن أحد يتوقعها .. بالمناسبة ما هي أحوال البلاد في ظل الديموقراطية بعد الثورة ؟ 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا 2030 : لا داعي للكلام في السياسة .. قد نجد ضباط أمن الدولة الزمني فوق رؤوسنا الآن .. 

أنا : أمن الدولة الـ.. ؟؟ ماذا !!! 

أنا 2030 : ستعرفه بعد خمس سنوات !! 

صديقي : لعل هذه هي المشكلة ! الفارق الكبير في السنوات بينكم يمنع التفاهم ! لنستدعي نسخة 2016 ! "يصفق بيديه" 

أنا "صارخًا" : لا لا كله إلا هذا ! 

(تظهر نسخة أخرى بشعر ولحية كثيفين) 

أنا 2016 : هاه ؟ أين أنا ؟ ليست هناك قهاوي في مالاوي ! كيف جئت إلى هنا ! 

أنا 2030 : ها قد وصل العبيط .. 

أنا 2011 "بسعادة" : مالاوي ؟ ياللفرحة .. إذن على الأقل حققت حلم العمل في دولة أفريقية ! 

أنا : أصبح المكان مزدحمًا فجأة .. 

صديقي : المواجهة الآن بين نسخ 2011 و 2020 و 2030 وأنت آخر المنضمين يا 2016 .. 

أنا 2016 : مواجهة غريبة .. و "ينظر ليدي ويد 2030" أين الدبلة ! المفترض أن أتزوج حين أعود للبلاد ! 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا 2011 "بذهول" : زواج ؟ أنا أرفض هذا المبدأ أصلًا ! كيف حدث هذا ! 

أنا 2016 "برومانسية بلهاء" : لقد عثرت على الفتاة الصحيحة .. التي تقف بجواري دائمًا .. وتحبني لشخصي كما أنا .. 

أنا : ياللبلاهة .. 

أنا 2030 "ضاحكًا" : بالعكس .. إن سذاجته مسلية حقًا .. 

صديقي : لكنه سعيد ! هو أسعد نسخة منكم .. وجد الحب والطموح العملي ويواصل العمل في المجال الثقافي أيضًا ! 

أنا : والنهاية ؟ خوازيق متتالية منهم جميعًا ! 

أنا 2016 "بقلق" : ماذا تعني ؟ ماذا حدث بالضبط ؟ 

أنا : في الواقع .. 

أنا 2030 "مقاطعًا بنفاد صبر" : دعه لي .. خطيبتك لا تحبك أصلًا وستتركك .. المؤسسة الخيرية في مالاوي مجرد لصوص .. والكيان الثقافي سينتهي بأسوأ طريقة ممكنة .. 

أنا 2016 : اللعنة ! 

صديقي : لما لا نحاول مرة أخرى ؟ ربما نسخة أخرى و .. 

أنا : توقف لحظة .. 

(أصفق بيدي لتختفي جميع النسخ) 

أنا : لا داعي للمزيد .. كما ترى فكرتك فاشلة تمامًا .. وقد أثبتت وجهة نظري أنا ! 

صديقي "بتعاطف" : أردت فقط أن أساعدك .. أنا قلق عليك .. ! 

أنا : لا تقلق .. صدقني أنا بخير .. ولست بحاجة لتغيير حياتي وتفكيري .. لا رغبة لدي أصلًا .. 

صديقي : لا بأس .. 

أنا "بدهشة" : اقتنعت بهذه السهولة ؟ إذاً ستتركني في حالي ولن تحاول مجددًا ؟ 

صديقي "بمرارة" : أنا لم أحاول أصلاً يا صديقي .. أنظر حولك جيدًا.. أنا تركتك منذ زمن .. أنت بالفعل وحيد تمامًا ! 

نظرت إليه .. لأجده قد اختفى فجأة .. وأمامي شاشة اللاب توب المفتوحة .. والصفحة لازالت بيضاء دون كلمة واحدة ..

1 comment: