محاولات بائسة
لعلنا وصلنا الآن لمرحلة من الحميمية تسمح لي باصطحابك إلى غرفة نومي ..
لا يا قليل الأدب .. لا أعني هذا حرفيًا .. بل أعني من خلال سطور هذا الـ.. الـ.. لا أعرف .. لا يمكن اعتباره مقالًا .. لنقل أنه تجربة شخصية ..
اعتدت مؤخرًا أن أذهب للنوم باكرًا ..
استلقيت على الفراش .. أطفأت الأنوار .. أغلقت باب الغرفة ..
التاسعة ليلًا ..
بدأت أغفو .. والنعاس اللذيذ يداعب عيني ..
أغيب فجأة في الزمان والمكان ..
أرى وجوهًا لبشر أكرههم .. مواقف قديمة أحاول نسيانها .. كيف يضبطون مواعيدهم مع مواعيد نومي ؟ لا أعرف ..
أختنق ..
مشاعر الكراهية تخرج من عقالها في عقلي الباطن ..
من هذه ؟ أهي أنتِ ؟ ماذا تفعلين في أحلامي ؟ أنا أكرهك .. لم أكره في حياتي شخصًا مثلما كرهتك ..
كم أتمنى فقط أن ألقاكِ صدفة لأصب جام بغضي على رأسك ..
ما هذا ؟ موقف مؤلم حدث منذ أعوام ؟ كنت أظنني نسيتك تمامًا .. ألاعيب العقل الباطن هذه ..
أين أنا ؟ داخل مبنى متهالك في مالاوي ؟ كيف عدت إلى هناك ؟
ما هذا الصوت ؟ كأنه صوت حوافر تضرب الأرض ..
أنظر خلفي .. اللعنة !
إنه الشيطان .. إبليس بنفسه .. لم أره من قبل طبعًا لكن داخلي يقين أنه هو ..
كائن مخيف .. لا أستطيع تذكر ملامحه تماماً .. لكنه هو ..
يطرق على الحوائط بأظافره المدببة .. يضرب الأرض بقدميه .. صوت الدقات يفجر رأسي .. هل يحاول إرسال رسالة لي عن طريق شفرة موريس ؟ نقطة .. شرطة .. نقطة .. و .. اللعنة .. أنا أهلوس .. أحاول تفسير رسالة إبليس في الحلم .. كم خطوة بقيت حتى الجنون المطبق ؟
المكان ينهار على رأسي .. والشيطان يقترب بخطوات سريعة و ..
أصحو مفزوعًا .. أكتم صرختي بصعوبة حتى لا يفزع أهل البيت ..
هذا كابوس يا أحمق .. كابوس ..
دقات قلبي عالية إلى حد مؤلم .. اهدأ .. ستصاب بأزمة قلبية ..
أنظر في الساعة لأجد أن الكابوس لم يستغرق سوى عشر دقائق !
العاشرة ليلًا ..
لازلت أحاول النوم من بعد الكابوس .. لا فائدة ..
الحادية عشرة ليلًا ..
بدأت رأسي تثقل مرة أخرى .. أخيرًا سأنام ..
أنا أختنق .. ليس بالذكريات .. بل بالفعل أنا أختنق ..
لا أعرف ما يحدث بالضبط .. تنفسي سليم .. لكن مخي يعجز عن استيعاب فكرة التنفس .. كأنه نسي كيف يترجم الهواء إلى أكسجين يدخل الشرايين ..
أغيب في عالم الموتى جزءًا من الثانية .. الأكسجين لا يصل .. الأكسجـ...
أنتفض فجأة شاهقًا أعب الهواء في صدري عبًا .. ماذا حدث ؟ لا أعرف ..
لكني كنت أموت غريقًا على سريري منذ ثوان !!
طبعًا بلغ الأدرينالين في جسدي حده الأقصى .. طار النوم مرة أخرى !
الثانية عشرة .. منتصف الليل ..
ما سر شعور الاحتراق المنتشر في جسدي ؟
لا .. ليس الهرش .. بل كأن أحدهم كان يتسلى بإطفاء عيدان الكبريت في جسدي !
يمتزج الشعور مع العرق الرهيب كأني أنام في فرن ..
أحك جسدي بعنف .. بلا فائدة .. الحك يزيد الآلام .. أتوقف حين أشعر أني جرحت نفسي ..
الواحدة بعد منتصف الليل ..
فقرة هجوم الذكريات ..
مشكلتي أن ذاكرتي حديدية .. أذكر المواقف والأماكن والأشخاص والتوقيت ..
أذكر الكلمات بأصواتها ونبرتها ..
تهاجمني الذكريات .. الأليمة بالأخص ..
أحاول الهروب .. لا أريد استعادتها .. لا أريد تلك المشاعر مرة أخرى ..
لكن عقلي الباطن يضحك ساخرًا .. لن تفلت ..
ذكريات .. ذكريات ..
أراها أمامي بالألوان وبجودة HD وشكرًا لمخرجنا الجميل محمد نصر ..
كيف لم تجف تلك الذكريات ؟ لماذا كلما استعدتها أشعر بنفس ضيق الصدر كأنها حدثت حالًا ؟
أستعيد مشاعر الخوف والفراق والتوتر .. كلها تهاجمني .. وقلبي ينبض بعنف ..
أحاول الخروج من هذا البئر .. لكنه صعب .. صعب .. كلما حاولت الخروج غصت أكثر .. بم يذكرني هذا ؟ آه .. الرمال المتحركة .. أو مصطلح أحمد خالد توفيق العبقري "التورط الأمريكي في المستنقع الفيتنامي" ..
لماذا ينسى الجميع آلامهم ويمضون في حياتهم بينما لا أستطيع أنا ؟ هل هي لعنة أم سحر أسود ؟هل للنسيان غدة ما في الجسد وقد تعطلت عندي ؟
الثالثة بعد منتصف الليل ..
أنا الآن في مرحلة الهلاوس البصرية والسمعية .. أرمق الشخص النائم بجواري .. المفترض أني وحدي في الغرفة !
اهدأ يا أحمق .. أنت تهلوس .. تهلوس ..
أغمض عيني بقوة وأفتحها .. اختفى .. الحمد لله ..
بقي الآن أن أتعامل مع الباقين في الغرفة الماثلين أمامي .. كيف اجتمع كل هؤلاء ؟
صار النوم في خبر كان ..
السرير أصبح حارًا .. لم تعد هناك أوضاع نوم مريحة ..
جلدي يحترق .. حتى صرت أخشى لمسه ..
أنفاسي ثقيلة ..
أهلوس بالكوابيس وأنا مفتوح العينين .. أسمع أصواتًا أحاول نسيانها منذ أعوام .. أحاول عدم التفكير في تفاصيل يوم سيء عشته منذ أعوام .. لكنه مصر على مطاردتي حالًا ..
الرابعة فجرًا ..
لا فائدة ..
يوم آخر بلا نوم .. وسأذهب إلى عملي دون أن أرتاح ولو ساعة واحدة ..
أحاول النهوض ..
إرهاق عنيف يعصف بي .. كأني كنت أمارس تدريبات عضلية عنيفة .. اللعنة ..
صداع .. صداع ..
كل آلام وذكريات الأعوام تهوي بمعاولها على رأسي ..
يروقني التفكير في الانتحار في هذه اللحظة بالذات ..
هل يعاني الموتى من الكوابيس ؟ سؤال مهم .. لكن كيف أعرف الإجابة ولم يعد أحد من هناك ليحكي ؟
اللعنة .. أنا أهلوس وأتطرف في التفكير .. هذا إحساس يعرفه تمامًا مدخنوا الحشيش .. حين تتشعب كل فكرة في رأسك إلى مليون فكرة .. ويضيع تركيزك تمامًا ..
أنهض من السرير .. وأستعد ليوم جديد بلا نوم .. أم لعلي نمت وكان كل هذا كوابيسًا داخل كابوس على غرار المسرحية داخل المسرحية في "هاملت" ؟ لا أعرف ..
محملٌ بكافة آلام وأخطاء وسخافات الماضي .. التي عادت إلى ذاكرتي مجسمة بالألوان الطبيعية .. وتختلط معها الكوابيس مربكة ذكرياتي .. هل حدث هذا فعلًا أم أنه ضمن الكابوس ؟
أتذكر بالصوت والصورة كلامًا لخطيبتي السابقة .. هل قالته فعلًا أم أني أملك قدرة مذهلة على تجسيد الكوابيس ؟
هل حدث ذاك الموقف فعلًا مع صديقي السابق ؟ أم أنه وليد الهلاوس ؟
لا يهم .. لقد عادت كل الآلام وكأنها حدثت بالأمس .. لا يهم أي منها حقيقي .. لن يشكل هذا فارقًا ..
أنفض رأسي محاولًا طرد الصداع .. ما سر ثقل أنفاسي ؟
أتمطع وأتثائب .. وأحاول توقع من سيقول لي اليوم "لا تكتئب .. ارمي ورا ضهرك وعيش حياتك" .. دائمًا ما أجد من يقولها لي .. ترى هل سيكون هذا رأيهم إذا مروا بما أعانيه ليلًا ولو لليلة واحدة ؟ لا أظن ..
وها هو يوم جديد أحاول إهلاك جسدي فيه نهارًا .. على أمل الفرار من هذه الحفلة الليلية .. بلا فائدة ...

No comments:
Post a Comment