Friday, January 8, 2021

عن التنمية البشرية ومانشستر يونايتد وأشياء أخرى ..


عن التنمية البشرية ومانشستر يونايتد وأشياء أخرى .. 


هل قلت لك من قبل أني كنت ناشطًا في المجال ثقافي ؟ وكان لي باع طويل في تنظيم الندوات والإيفنتات الثقافية و .. 

أعتقد أني ذكرت الأمر مرة أو اثنين في مقالات سابقة .. نعم .. 

ماذا ؟ لم تقرأ مقالًا لي من قبل أصلًا ؟ لا بأس .. أقول لك أني كنت ناشطًا في المجال ثقافي . وكان لي باع طويل في تنظيم الندوات والإيفنتات الثقافية ! 

لن تحتاج معلومات أكثر .. 

وأصل الحكاية أنه في أحد تلك الأيام راسلتنا إحدى مدربات التنمية البشرية .. طالبة منا أن ننظم ندوة لها .. وأرفقت سيرتها الذاتية .. 

وأنا قد أكون معتوهًا .. لكني لست ساذجًا .. فلم أنخدع بكم الكورسات والدورات التي حصلت عليها الأخت المذكورة .. من نوعية T.O.T أو "تدريب المدربين" كما يعرف خبراء التنمية البشرية المحنكون .. 

أوشكت على الرفض .. لكن شركائي تحمسوا لها جدًا .. وأقنعوني بالموافقة بطريقة ما .. 

نظمنا الحدث كما اعتدنا .. وفاجئتنا الأخت المدربة صباح يوم الندوة أنها ستحتاج إلى "لاب توب" أثناء المحاضرة .. 

قمنا بعدة مغامرات دامية لندبر لها واحدًا في الوقت المناسب .. 

المهم أنني توجهت إلى المكان .. وفوجئت بالأعداد الغفيرة الحاضرة ! 

ونظرت لي إحدى الزميلات نظرة تقول (ألم – أقل – لك؟) .. فرددت عليها بنظرة من طراز (لم ـ أعد ـ أنخدع – بالمظاهر – لنرى – ما – سيحدث) .. "تحية للعراب أحمد خالد توفيق رائد لغة النظرات" .. 

بدأت المحاضرة العظيمة بأن طلبت المدربة من كل شخص من الحاضرين أن يكتب حلمه في ورقة .. ويطويها ويعطيها لها .. 

وبعد نهاية هذا السخف .. جمعت الأوراق .. وبدأت تقرأ و يرد الحضور عليها : 

-"أحمد يحلم أن يجيد الإنجليزية بطلاقة .. بم ننصحه؟" 

-"فليأخذ كورسات !" 

-"سعاد تتمنى أن تتحول إلى شخصية اجتماعية .. بم ننصحها ؟" 

-"فلتأخذ كورسات !" 

-"عبد العزيز يحلم أن يطير ويخرج النار من مؤخرته .. بم ننصحه؟" 

-"فليأخذ كورسات !" 

إلخ .. إلخ .. 

لاحظ أن عدد الحاضرين كان كبيرًا .. ويمكنني أن أكمل بقية المقال بأحلامهم على سبيل تعذيبك كما تعذبت يومها .. لكني سأختصر هنا رأفة بأعصابك .. 

الخلاصة أنه يبدو أن هناك كورسات لكل شيء هذه الأيام .. ! 

وما رأي المدربة في هذا ؟ المضحك أنها حين قاربت على الانتهاء من قراءة الأحلام .. اقترحت عليها أن نتوقف باستراحة قصيرة .. فقالت لي بثقة : "لا أنا تقريبًا خلصت خلاص" .. 

ساعتان يا مؤمن .. ساعتان ضاعا هدرًا من حياتي سمعت فيها أحلام الآخرين .. والنصيحة الواحدة لهم جميعًا .. خد كورسات .. ثم انتهت المحاضرة !! 

طبعًا كنت مستعدًا للهروب بعدها .. لأني توقعت أن يغضب الحاضرون من هذه المحاضرة العبيطة .. وربما يبطحني أحدهم بمقعد أو طاولة ! 

لكني فوجئت بتصفيق حاد .. وطلبوا بحماس أن نكرر مثل هذه الندوات المفيدة .. وأصر أحدهم أن يدعوني على كوب قهوة في مقهى قريب !! 

ضربت كفًا بكف .. هل جن الجميع ؟ 

بعد أعوام من هذا اليوم العجيب .. انتبهت أن ثقافة الكورسات تغلغلت فعلًا في كل شيء .. 

يتخرج الطالب من كليته ليغرق نفسه في كورسات بالشيء الفلاني .. على أمل أن يظفر بوظيفة لائقة .. 

أنا لست حماراً .. أعرف جيدًا أن هناك كورسات مفيدة .. وتؤهلك حقًا لسوق العمل وقد تطور شخصيتك أيضًا .. 

لكني أؤمن أن الكورسات هي وسيلة مساعدة فحسب .. وليست هي الأساس ! 

فجمع الكورسات يشبه الأحمق الذي اشترى شورتًا وفانلة وكوتشي أديداس .. وجلس في مكانه ينتظر عرضًا من مانشستر يونايتد ليلعب فيه !! 

فقل لي بالله عليك .. ما الفائدة التي عادت على الحاضرين من محاضرة التنمية البشرية تلك ؟ ولا حاجة ! 

لكنهم جميعًا سيعودون إلى منازلهم شاعرين بالرضا وأنهم قضوا يومهم في نشاط مفيد !! 

حتى في مجال العمل .. حضرت يومًا كورسًا غالي الثمن في أحد المراكز .. المفترض أن أتعلم فيه عدة برامج هندسية .. 

كان المحاضر يعلمنا شيئًا في البرنامج .. ويطلب منا تجربته .. ثم يختفي خمس دقائق .. ويعود مرة أخرى .. 

عرفنا بعدها أنه يلعب "البلايستيشن" في غرفة أخرى مع صاحب المركز .. يلعب شوطًا ثم يعود إلينا ! 

أما التنمية البشرية فقد كانت سبوبة رائعة .. 

تجمع بعض الحمقى وتقنعهم أنك جعلتهم أفضل .. وتهبر مالهم وتهرب ! 

وحين انكشف أمرهم .. وأصبح الناس يسخرون منهم "لأحمد أمين سكيتش عبقري عنهم" .. تحول الاسم إلى "لايف كوتشنج" أو "مدرب علاقات" أو أي شيء .. المهم أن تستمر السبوبة ! 

عرفت واحدًا يطلق على نفسه "مدرب تنمية إيمانية" .. وكل كلامه بالقرآن والسنة .. ويتحفنا على الفيسبوك بأدعية مسجلة بصوته .. ويطلق عليه متابعوه "الشعراوي الجديد" 

لا اعتراض لدي .. لكن الظريف أنه كان حكاكًا محترفًا .. ولم يترك فتاة إلا وحاول التعرف عليها .. ويحكي لنا مغامراته العاطفية العديدة !! 

وحين واجهته قال بتواضع "أنا مش شيخ ولا داعية .. أنا مدرب تنمية إيمانية" !! 

أي سخف وأي خداع ؟ 

حتى في مجال الهندسة .. حين نجد زميلًا لنا عاجزًا عن إيجاد عمل .. نقترح عليه أن يقدم محاضرات عن أي برنامج يجيده ! 

عن نفسي توقفت عن متابعة سوق الكورسات .. وحين أحتاج تعلم برنامج ما أو أي شيء يخص عملي .. أبحث على النت باللغة الإنجليزية .. فأجد كل شيء .. ودون أي مجهود أو تكلفة ! 

فأنا أكره أن يخدعني أحد .. ولن أجلس في مكاني أنتظر مانشستر يونايتد .. بل سأعلم نفسي كل شيء .. ولن أنتظر شخصًا يتعطف علي بمعلومة تكلفني مبلغًا وقدره .. 

ومع الوقت عرفت كيف أتعلم بالـ"دعبسة" .. أقتحم ما أريد تعلمه وأجمع معلومات من شتى المصادر وأجرب بنفسي إلى أن أتقنه .. 

ماذا ؟ تريد أن تتعلم هذا أنت أيضًا ؟ 

الأمر بسيط .. خد كورسات يا حبيبي .. 


2 comments: