Friday, January 28, 2022

منحنى الثلاثين


منحنى الثلاثين


يتمتع الأمريكان بدم ثقيل إلى درجة لا تطاق ..

إذا شاهدت فيديوهاتهم الكوميدية على اليوتيوب ستصاب بإسهال مزمن من فرط السماجة !

دعك من "الكوميكس" و "الميمز" .. فالمصري قد يشاهد بالصدفة فيلمًا على القهوة .. ويستخرج عشرات "الميمز" منه .. بل إن فيلمًا مثل "بوشكاش" لم ينجح نهائيًا في السينمات .. لكن المصريين حولوه إلى علامة على الفيسبوك !

أما الأمريكان فلا يتمتعون بهذه الموهبة .. ومحاولاتهم للمزاح سخيفة لدرجة لا تطاق !

هناك مقاطع لهم تزيد عن 200 مليون مشاهدة .. ومثيلاتها في مصر نضربها بالشبشب !

لكن هناك فريقًا من الشباب الأمريكي لا بأس به .. وفيديوهاتهم تحمل خفة ظل واضحة .. ويسخرون من كل شيء بلا رحمة !

قاموا بتصوير مقطع بلا كلام تقريبًا .. عن معاناة ما بعد الثلاثين .. سأترك لك "لينك" له في آخر المقال .. 

نعم .. لست وحدي من لاحظ هذا !

فأكبر تغيير سيحدث في حياتك هو حين تتجاوز الثلاثين من عمرك !

على المستوى الجسدي .. ستكتشف وجود عظام في جسدك لم تكن تعرفها منذ عدة أعوام !

تستيقظ صباحًا لتكتشف آلامًا في عظمة عنق الفخذ .. عنق ؟ هل الفخذ له عنق ؟ نعم يا صديقي .. مرحبًا بك في الثلاثين !

وتبدأ فقرات ظهرك في الأنين .. وحين تسأل يقولون ببساطة "تلاقيك نمت غلط" ..

لا تفهم .. كنت في الماضي تنام مقلوبًا على السقف كالخفاش .. وتستيقظ مفعمًا بالنشاط !

وتنهض وكل عظمة تطلق موسيقى خاصة بها بأوركسترا بديعة يعجز "هانز زايمر" عن تأليف مثلها ..

مثانتك ممتلئة .. منذ أعوام كان يمكن أن تقضي يومك وفي نهايته تكتشف أنك لم تدخل الحمام مرة واحدة !

أما الآن فكل شربة ماء تعني ضرورة مقابلة عاجلة مع وزير الري في الحمام !

وكلما جلست في مكان تنظر حولك بلهفة وتسأل "هو الحمام فين ؟" .. لتتحول إلى "سام كولبي" في ظروف غامضة .. ولا ينقصك إلا أن تقول "إنها البروستاتا كما تعلمون" !

دعك من الطعام .. تتحول البيتزا والمعجنات والمكرونة بالجبن إلى عذاب مقيم ..

فبعد الثلاثين تتحول معدتك ومن خلفها السلطان "قاولون" شديد العصبية إلى موظف حكومي كئيب .. كلما هممت بالأكل يرفع عينه من خلف النظارة المتدلية على قصبة أنفه .. ويقول لك ببرود "ماينفعش .. لازم إمضا مدام عفاف في الدور التاسع .. وتقدم طلب وتعالى كمان أسبوع" !

تحن للماضي حين كنت تأكل الفول وتتبعه بخمس شطائر من الكبدة .. ثم تجذبك رائحة الفلافل والبطاطس المقلية فتلتهم عدة أرغفة .. وتتبعها بفطيرة السكر الغارقة بالسمن .. وتجلس مقزقزا بعض السوداني مع كوب من الشاي تحبس به كل هذا العك .. دون أن تحمل همًا !

وتحن فجأة للبيت كلما خرجت .. ويتحول يوم الأجازة من الصياعة مع أصدقائك طوال اليوم إلى أمسية هادئة تحت البطانية مرتديًا طاقية عم شكشك الصوفية .. ومشاهدة فيلم جيد حاملًا كوبًا عملاقًا من أي مشروب دافئ لأن عظامك لا تتحمل البرد !

تظن أني أبالغ ؟ إذن في رأيك لماذا ينخفض مستوى لاعبي الكرة بشكل درامي حين يتجاوزون الثلاثين ؟

ولماذا يعتزل معظمهم قبل الخامسة والثلاثين ؟ بل إن اللاعب إذا أصيب إصابة بالغة بعد الثلاثين يقول الجميع بحسرة "لن يعود إلى مستواه أبدًا في هذا السن" !

في رأيي أن أقصى انحدار في صحتك يكون بعد الثلاثين .. تقل صحتك 50% بعد الثلاثين تقريبًا !

أما المعاناة النفسية فهي مصيبة أخرى !

فبعد الثلاثين أنت لم تعد صغيرًا .. وتنتبه بذعر أن هناك ذكريات مر عليها 20 عامًا وأنت تذكرها جيدًا !

كنت في الثانوية العامة منذ 14 عامًا .. دخلت المدرسة منذ 25 عامًا !

بل وقد تعجب بفتاة لتكتشف أنها في الثامنة عشرة من عمرها .. أي أنك كنت في المرحلة الإعدادية حين ولدت .. وإذا كانت والدتها قد تزوجت في سن صغيرة .. قد تجلس معها لتستعيد الذكريات والنوستالجيا في أيام الطفولة ! (أحدهم بالفعل رشح لي عروسًا اكتشفت أن والدتها تكبرني بخمسة أعوام فقط)

وتجد رفاق العمل أصغر منك بكثير .. وقد ينظرون لك بهيبة باعتبارك ديناصورًا في مجالك ..

كنت مديرًا في وقت ما .. ووجدت أحد هؤلاء جاء يطلب مني شيئًا .. وقد وقف في تهيب وخوف .. ولا يناديني إلا "حضرتك" و "يا فندم" .. وأنا في الأساس لازلت أرى نفسي طفلًا ساذجًا !!

طبعًا لم يعد هناك مجال لـ"لما أكبر عايز أبقى كذا" .. أنت كبرت بالفعل خلاص .. أنت هناك يا صديقي !

لم يعد من حقك أن تفكر في مشاريع جديدة .. لم يعد في الشباب ما يكفي للكفاح والمعافرة .. حتى التفكير ستجد أنه أصبح همًا مقيمًا !

وتبدأ الشعور بالخطر .. بعد قليل لدرجة مفزعة سيقترب سن الأربعين .. وتتحول إلى "رجل في منتصف العمر" .. وكل قرار تتخذه الآن غالبًا سيؤثر على بقية عمرك .. لم يعد هناك وقت كاف لتغيير آخر !

وتبدأ مرحلة حساب النفس .. ماذا حققت من طموحاتك ؟

إذا كنت في مصر غالبًا سيكون "ولا حاجة" ..

وبالله عليك لا تردد كلام التنمية البشرية .. مثل أن النجاح لا سن له .. لا تتخلى عن طموحاتك ..

ويذكر لك قصة الكولونيل "ساندرز" الذي افتتح مطعم كنتاكي ونجح في عمر الخمسين .. أو أي قصة مشابهة ..

لا تخدع نفسك .. هذه القصص تحدث بنسبة واحد إلى مليون .. وأنت مجرد شخص عادي في دولة نامية – مشيها نامية – لا تمنحك الكثير من الفرص طالما رصيدك في البنك لا يحمل ستة أصفار !

لذا أرجوك .. إذا تجاوز شخص عزيز لك سن الثلاثين .. فلتراعي ظروفه .. ولا تغضب إذا فضل الجلوس في البيت على مقابلتك على القهوة .. وفي عيد ميلاده ربت على كتفه بحنان .. واشتري له دستة من أنابيب مرهم "فولتارين" وعلبة "كتافاست" على سبيل الهدية .. ولا تناقش معه أي أمر يحتاج التفكير أكثر من 5 ثوانٍ ..

وصدقني سيحبك كثيرًا !






Friday, January 21, 2022

لست وحدك


لست وحدك

قد يبدو العنوان شاعريًا رومانسيًا .. لكنك هنا في مقال كئيب على مدونة كئيبة .. فلا تتوقع أني أقصد المعنى العادي من الاسم !

أنا أعاني مشكلة عويصة مع البشر ..

دعني أحكِ لك قصة ..

منذ 4 أعوام تقريبًا فسخت خطوبتي ..

كنت أمر بأسوأ أيام حياتي .. عدت لتوي من "مالاوي" حيث مررت بأقسى تجربة قد يعيشها مغترب ..

معتل الجسد من الحوادث التي تعرضت لها .. على سبيل المثال لا الحصر .. 3 حوادث قاتلة بالدراجة النارية و4 بالسيارة وواحدة حين خرج الأهالي بالسيوف لصنع الشاورما من لحومنا .. وأخرى حين وقعت وسط تجمهر وداسوني بالأقدام حيث كنت سألاقي مصير "موفاسا" في فيلم الأسد الملك .. دعك من المرة التي أشعل فيها أحدهم النار في البيت الذي نعيش فيه .. والملاريا التي أصابتني غدرًا هناك .. وغيرهم الكثير !َ

ومعتل الروح من آثار التجربة الرهيبة التي لا مجال لشرحها في خامس أفقر دولة على مستوى العالم ..

الخلاصة أن التجربة تركت في جسدي و روحي علامات لا أعتقد أنها ستزول !

وحين عدت .. كان الجميع يسألني عما أنوي فعله في حياتي الآن .. وعن تجهيزات الزواج .. وعن رحلة البحث عن عمل في مصر ..

في حين أني أساسًا كنت أريد أن أتجه إلى المقبرة وأجلس منتظرًا الموت كما تفعل الأفيال حين تتقدم في السن !

وكانت تصيبني نوبات اكتئاب عنيفة مصحوبة بكوابيس أرى فيها الشيطان ذاته .. ولا أعرف تفسيرًا لهذا حتى الآن ..

طبعًا لم تتحمل خطيبتي هذا .. خاصة مع الضغوط الاقتصادية لأني سافرت قبل تعويم الجنيه وعدت بعده ليدمر كل خططي المحكمة .. ويتحول كل جنيه ادخرته إلى 40 قرشًا فجأة !

بصراحة بعد التفكير لا ألومها كثيرًا !

وهكذا انتهت خطوبتي ..

وهنا بدأت مشكلتي !

الجميع يقول ببساطة : "عادي كلنا خطبنا وفسخنا"

أو "انت مكتئب ليه ؟ هو انت الوحيد اللي سافرت واتبهدلت يعني ؟ ما كلنا كدة!"

أو "انت اللي مكبر الموضوع .. ماحصلش حاجة أصلًا"

في الحقيقة لا أعرف من العبقري الذي قرر أن تسفيه أسباب حزن أحدهم سيساعده ؟

أو أن تعطيه إحساسًا أن الجميع مر بنفس المشكلة وتجاوزها .. وهو ضعيف عويل لم ينجح في هذا ؟!

طبعًا زاد هذا من كآبتي .. الواضح أن مشكلتي مكررة وعادية إلى حد الابتذال .. ومهما صرخت سأجد من يقول لي "عادي ما كلنا كدة مش لوحدك" !

أتعب في عمل صعب لا يقل عن 14 ساعة يوميًا .. "عادي كلنا كدة" ..

أكتشف أن جميع من حولي تقريبًا تخلوا عني .. "عادي كلنا كدة" !

كانت النتيجة أني تحولت إلى شخص عديم الإحساس .. حين يتقرب مني أحدهم أكون متأكدًا أنها مجرد علاقة عابرة .. وأنه سيرحل حتمًا ..

ومهما زادت الضغوطات لا أشعر بشيء .. فحتى لو شكوت همي سأسمع نفس الرد .. إذن فيجب ألا تكون لدي هموم أصلًا !

فأنت لست وحدك .. الجميع مثلك ومر بنفس المشاكل .. الكل نسخ متشابهة في المشاكل على ما يبدو !

لا أحد يقدر ما مررت به .. لا أحد متفرغ لك أصلًا .. كل يبكي على ليلاه .. ولا أحد رائق البال ليتفاعل مع مشاكلك ويحاول مساعدتك على حلها بالطريقة الصحيحة ..

كما حين تسقط .. يساعدك أحدهم على النهوض بأن يجذبك من قفاك بقسوة .. فإذا لم تنهض تركك أرضًا وتابع طريقه ببساطة !

مع الوقت اكتشفت أني فقدت حماسي للدنيا أصلًا ..

ولم أعد مشاركًا في أحداثها السخيفة التي تنقسم بين معارك الوصول للقمة والعلاقات التي تنتهي دائمًا بشكل مؤلم سواء كانت حبًا أو صداقة أو حتى علاقة عمل عادية !

قررت أن أنفذ ما تأخر 4 أعوام كاملة ..

تركت كل هذا الجنون .. وسحبت مقعدًا مريحًا .. وجلست أدخن سيجارتي ..

أضحك على البشر الحمقى .. وأراقبهم كما يراقب العلماء تصرفات البكتيريا تحت المجهر دون أي تعاطف ..

وأنتظر نهاية هذا الفيلم السخيف بصبر فيل عجوز .. يسترخي في مقبرة الأفيال منتظرًا الموت الذي تأخر أكثر من اللازم ..



Friday, January 14, 2022

شخص مهم





شخص مهم

أنا شخص تافه ..

أعترف بهذا دون مواربة ..

يكفي أني أكتب لك هذا المقال وأنا أعاني صداعًا قاتلًا بسبب سهرة حافلة حتى الفجر ليلة الأمس في لعب البلايستيشن !

يقول أحمد خالد توفيق في سلسلة سافاري " فيما مضى كنت أقرأ عبارة “رجل في العقد الرابع” في قصص “أجاثا كريستي” فأتخيل رجلًا مهيبًا يملأ الأرض والسماء، غامضًا كالغد، إذا فتح فاه فلكي تخرج الحكم التي تذكرها الأجيال القادمة وتستشهد بها…

الآن أنا في العقد الرابع.. وكما هي العادة يصعب أن أعترف أنني كبرت وصرت خطرًا كالآخرين.. أحتاج إلى عشرة أعوام أخرى كي أعرف هذا الشخص الذي أراه في مرآتي.. أحتاج كثير من الخبرات والعلم..

مازلت طفلًا أصفق بجنون حين يحرز لاعبو الأهلي هدفًا.. مازلت أهوى مجلة ميكي وأدبر مقالب لرفاقي.. ومازلت أنطق بسخافات لا حصر لها."

هذا أنا ببساطة .. في العقد الرابع من عمري .. ولازلت أحتفظ بنفس تفاهتي .. ولم أستطع أن أصبح مهمًا ..

فالشخص المهم له مواصفات خاصة ..

مثلًا يجب أن يكون شعره ناعمًا ومصففًا بعناية ..

هل رأيت من قبل شخصًا مهمًا أشعث أكرت الشعر ؟ إذا كان شعرك مجعدًا خشنًا فأنت هالك لا محالة !

كما يجب أن يكون مهندم الثياب .. وأن تكون ثياًبًا أنيقة ذات تناسق ألوان خاص لا يعرفه التافهون مثلي .. وأن تكون غير مريحة !

عليك نسيان "التيشيرت" القطني المريح الذي تحبه .. والبنطال الواسع الذي يمنحك حرية الحركة .. أنت الآن شخص مهم وعليك أن تنسى الراحة ..

وطبعًا لن أتحدث عن إدخال المصطلحات الإنجليزية في كل جملة بداع أو بدون .. هذا مفروغ منه ولم يفشل يومًا في إظهار كم أنت مهم وخطير ..

بالطبع التافهون أمثالي سيسخرون منك بعبارات مثل "إيه يا بني كلام الكفار ده ؟" أو "كلمني عربي أنا بتاع طوب وزلط" ..

لكنك شخص مهم .. فلا تلتفت لتعليقات التافهين ..

عليك أيضًا أن تتعلم تلك الابتسامة السمجة التي تقول بشكل غير مباشر (أنت جيد .. لكنك بالطبع لن تصل إلى مستواي وعليك أن تستمع لي لعلك تتعلم شيئًا) .. تعرفها ؟ للأسف أنا لم أحاول تعلمها .. لأني انشغلت بتعلم ابتسامة الفنان الراحل يوسف داوود لأستخدمها حين أقول "ألشة" سخيفة .. تافه جدًا !

بمناسبة الألش .. لتكون مهمًا يجب أن تكون ثقيل الدم نوعًا ما ..

ليس ثقل الدم المنفر .. ولكن القدر الكافي ليراك الناس وقورًا ذا هيبة وشخصية قوية ..

أما إذا كنت تهوى المزاح مثلي فستظل تافهًا طوال عمرك .. وسيراك الجميع "خفيفًا" غير جدير بالثقة ..

أذكر أن مديري في العمل كان يجهز لاجتماع مع بعض المهمين .. انفرد بي قبلها وقال بصرامة "من سنجلس معهم أناس مهمون .. لا أريد مزاحًا من أي نوع !"

لا تتبسط مع الناس .. ليكن هناك دائمًا حاجز بينك وبينهم خاصة من هم أصغر منك .. لا تكن عبيطًا وتترك شابًا أصغر منك بعشر سنوات يقول لك ضاحكًا "يا جدع ده انت مسخرة وقعدتك كلها هلس" .. ويكون رد فعلك أن تكون سعيدًا كالأبله ..

فكشخص مهم هدفك ليس نشر السعادة والضحكة .. أترك هذا للمهرجين أمثالي ..

بل تضع نصب عينيك أن يشعر الجميع بعدم الراحة في وجودك .. لأنك رائع وهم يتمنون أن يصبحوا مثلك يومًا !

كما عليك أن تتعلم فن الرئاسة ..

لا .. ليس الإدارة .. ليس الهدف هنا أن تكون ناجحًا .. بل أن تكون مهماً ..

فن الرئاسة هو أن تسعى أن تعطي الأوامر لكل من حولك ..

ليس بطريقة مباشرة .. فالأوامر الصريحة قد تسبب أن يعصاك أحدهم .. مما يهز صورتك كشخص مهم ..

بل بأسلوب ثعباني مصحوب بالابتسامة السمجة التي ذكرتها منذ قليل .. وتحرص على إظهار كم أنت واثق في كلامك .. ولا تعط فرصة للآخرين لاقتراح أي تعديل .. عليك الإيحاء بأنك من مستوى مختلف أعلى بكثير .. وهم مجرد نمل يتخبط محاولًا فهم معرفتك العظيمة !

تسألني كيف تفعل هذا ؟ يا لك من أحمق .. لا أعرف طبعًا .. أكدت عشر مرات بالمقال أني تافه جدًا .. وأقصى ما تسألني فيه هو آخر مسلسل "أنيمي" شاهدته !!

وآخر نصيحة هي أن تذكر نفسك كثيرًا .. بعبارات مثل "لا أنا طريقتي كدة" .. و"أنا مابفوتش حاجة زي دي" .. و"أنا فاهم طريقتهم كويس" .. ولكن لا تبالغ حتى لا يتهمك أحد بالغرور .. بهدوء ودحلبة وسرسبة كالفئران ..

أنت الآن شخص مهندم الشعر .. التزمت بكود الملابس الخاص بالمهمين .. ثقيل الدم ذو ابتسامة سمجة توحي بأهميتك .. تتحدث الإنجليزية كمواليد نيويورك وليس على طريقة "آي لاف ماي فازر آند ماي مازر" المصرية العتيدة ..

تعطي الأوامر لمن حولك بأسلوب مدروس يمنحك السيطرة الكاملة .. وتذكرهم طيلة الوقت كم أنت رائع وواسع العلم ..

مبروك !

أنت الآن شخص مهم !!

ماذا ؟

تسألني عن دور تطوير كفاءتك في العمل لتكون ناجحًا ومهمًا ؟

يالك من عبيط .. وستظل تافهًا إلى يوم يبعثون !

من قال أن الكفاءة ضرورية لتصبح مهمًا أصلًا ؟

دعك من أنك حين تتعلم كل ما ذكرته .. لن يكون لديك وقت أصلًا لتهتم بأي شيء آخر !

كن مهمًا يا صديقي .. ولا تبالي بالكفاءة .. وإلا عشت ومت عديم القيمة !

سلام ..




Friday, January 7, 2022

حياة قصيرة


حياة قصيرة

قالت لي بضيق :

-"منذ أن رقيتك إلى منصب المدير أصبحت متعجرفًا .. وتنفجر في وجه من لا يعجبك بلا رحمة !"

نظرت لها بدهشة ثم انفجرت ضاحكًا ..

-"متعجرفًا ؟ أن مدير لستة أفراد فحسب .. في قطاع واحد من شركة لا يعرفها أحد أصلًا .. في مدينة بدولة من العالم الثالث لا يهتم أحد بها أساسًا .. لم أفكر حتى في التعجرف !"

"كل ما في الأمر أنك كأي إنسان آخر كنت تخشين أن يغيرني المنصب .. فصرت تفسرين أي تصرف مني من هذا المنطلق .. لو سألتني عن رأيي لقلت أني لا أريد منصبًا أو يحزنون .. كل ما أتمناه هو مبلغ شهري يكفي طعامي وسجائري وجلسات القهوة .. وأن يتركني الجميع في حالي !"

نظرت لي غير فاهمة .. وقالت بذهول :

-"لكن هذا خطأ ! أين طموحك ؟"

قلت بهدوء :

-"الحياة أقصر من هذا .. كلنا صراصير في بالوعة واحدة .. ما هو الإنجاز في الخروج منها وتسلق الحائط ؟ سأظل مجرد صرصور آخر .. وسأموت بالشبشب بدلًا من الشيخوخة !"

اعتدلت بصرامة وقالت بلهجة رسمية باردة :

-"حافظ على ألفاظك وأنت تكلمني !"

أدركت أنها لم تفهم من كلامي سوى أني شبهتها بالصراصير .. ففقدت الأمل وابتلعت لساني ..

***

عروس جديدة ..

محاولاتي للزواج تشبه كثيرًا محاولات "علا عبد الصبور" في مسلسل "عايزة أتجوز" .. وهذا يدلك أن عدم الزواج يسبب مشكلة مجتمعية للرجال أيضًا !

قالت لي :

ـ"ارتحت لك كثيرًا .. وجودك مريح لسبب لا أفهمه .. !"

لا أفهم لما يقلن جميعًا نفس الكلمة .. من ترتاح لشخص كئيب يدخن كمصانع الحديد والصلب وملامحه مزيج من "ماجد الكدواني" و "راسبوتين" هي حتمًا مجنونة !

ثم أنها تابعت كلامها :

-"قل لي .. ما هي طموحاتك ؟"

قلت ببساطة :

-"ليس لدي طموح بالمعنى المفهوم .. أنا أستيقظ صباحًا وأرى ما لدي اليوم .. ثم أنام وغدًا يوم جديد وانتهينا !"

قالت بذهول :

-"ليس لديك طموح ؟ لا هدف ترغب في تحقيقه ؟"

-"هدفي هو حياة بلا وجع دماغ .. عرفت عشرات الأشخاص المتحمسين ممن لهم طموح تغيير العالم والثراء والنجاح .. والآن هم أزواج بكرش ضخم وتحول طموحهم إلى أمنية بعرض جيد على أكياس البامبرز في كارفور .. نحن في زمن صعب .. ولم يعد الحماس كافيًا لتحقيق أي شيء .. أحمق من يقول أن استمرار السعي يعني حتمية الوصول .. ويضرب المثل بشخص مشهور ظل يسعى حتى تحقق حلمه .. ويتناسى أن هناك ملايين غيره عاشوا وماتوا دون أن يحققوا شيئًا بسعيهم .. أنا أراهم مجموعة من البلهاء .. يكافحون للوصول إلى راحة البال .. أنا الآن مرتاح البال وأنام نقي الضمير كالطفل .. لماذا أسعى لما هو لدي أصلًا !!"

نظرت لي غير فاهمة .. ثم قالت بابتسامة غبية :

-"إذا توقفت عن التدخين ستستطيع بسهولة توفير ثمن البامبرز .. دعك من حفاظك على صحتك !"

أشعلت سيجارة وصمت .. وأنا أفكر في حجة أقولها لنغادر وأعود للبيت ..

***

قال لي صديقي بضيق :

-"أتمنى أن أجد فرصة سفر للخارج .. هذا البلد صار مقيتًا .. ولن أحقق شيئًا هنا "

ضحكت وقلت :

-"خذها نصيحة من شخص جرب الغربة .. حياتك ستدمر .. كلما فكرت في أي شيء حتى لو كان شراء الملابس ستقول "لما أنزل مصر" .. وحين تأتي الإجازة ستقول "أنا هنا لفترة قصيرة .. حين أسافر سأفعل" .. ستتحول حياتك إلى أيام تعدها كالمساجين حتى تعود إلى بلادك .. ثم أيام تعدها بذعر خوفًا أن تنتهي الإجازة سريعًا .. وستكتشف مرور الأعوام من عمرك دون أن تشعر .. صدقني الحياة أقصر من هذا .. دعك من أنه لا شيء يستحق أن تبتعد عن أمك وأبيك .. أطال الله في عمرهما لكنك ستندم يومًا أنك تركتهما زمنًا كان من الأولى أن تستمتع بوجودهما !
ستقول أنك ترغب في العيش في بلاد متقدمة ؟ حتى لو سافرت .. سيظل شعورك ممضًا أن كل هذا التقدم والنظافة ليسا لك بل لسكان البلد .. وأنت مجرد ضيف هناك .. هل سترتاح مثلًا في بيت صديقك مهما كان فخمًا ؟ وهل ستشعر أنه بيتك مهما كان صديقك ودودًا ؟ مستحيل .. ستشتاق حتمًا إلى بيتك الذي تستطيع أن تمشي فيه بالفانلة والبوكسر بحرية .. وإذا سافرت ستذهل أن كل ما كنت تفعله هنا ومللت منه .. ستتحرق شوقًا إليه .. بداية من طبق الفول من العربة صباحًا وحتى المقهى الذي تجلس فيه كل يوم .. وسينغص حياتك البعد عن كل ما اعتدت عليه رغم أنك كنت قد مللت منه ..ولن تنعم بلحظة سعادة واحدة !"

صمت صديقي .. ثم قال بغيظ مكتوم :

-"الآن عرفت لماذا ابتعد الجميع عنك .. أنا شخصيًا أقاوم بصعوبة الآن تحطيم المقعد على رأسك"

آثرت السلامة وسكت .. وأكملت قهوتي بصمت وأنا أنظر له بحذر ..