Friday, April 26, 2019

عن بعض الأوغاد


عن بعض الأوغاد

ما رأيك في بعض التغيير اليوم ؟
أعني أننا كل مرة نجلس على القهوة وكلانا يخفض رأسه في خشوع محملقاً في شاشات الهواتف أو التبالت – جمع تابلت – ولا نقول شيئاً حتى نعود إلى منازلنا لنكمل الحملقة أيضا .. 
لنجرب شيئاً جديداً .. لكن أولاً دعنا نطلب كوبين من القهوة .. ماذا ؟ تقول أنك تريد قهوة بالنوتيلا ؟
نوتيلا ؟؟ منذ أصبحت مرتبطاً تغيرت طباعك كثيراً .. كنت في الماضي تشرب القهوة من الكنكة مباشرة مثل كلب البحر توفيراً لغسيل الأكواب .. !
دعك من أن "محروس" القهوجي لن يفهم ما هذه النوتيلا وقد يعتبرها سباباً ويلكمك في أسنانك .. 
ما علينا .. 
دعنا نستمتع معاً بقهوتنا وأطلب لنا شيشة برتقال بالنعناع لنضبط الدماغ .. 
ماذا كنت أقول ؟ آه .. بعض التغيير .. 
ما رأيك أن نمارس تلك الهواية الأنثوية اللطيفة المسماة مجازاً بالنميمة ؟
دعنا نتكلم في سيرة بعض الناس .. فنحن مررنا بتجارب عجيبة وحتماً هناك شخصيات تستحق الكلام عنها .. موافق ؟ تريدني أن أبدأ ؟ حسناً .. 
عرفت يوماً شخصاً عجيباً .. كان سميناً .. لا ليس سميناً مثلي .. بل كان أشبه بكرة من الدهن تتدحرج على الأرض .. لا أسخر منه طبعاً .. فأنا نفسي شخص سمين قبيح .. لكني أتقبل هذا برحابة نفس .. أما هو فأعتقد أن شكله كان سبباً في عقدته .. 
فهو كان من ذلك النوع من الشباب الذي تشعر لسبب ما أنه "مابيتكشفش على رجالة" ..

ضعه في أتوبيس فيه 50 شاب وفتاة واحدة .. تجده لازقاً في الفتاة لزقة المحارة في الخرسانة ..

دعه يحضر ندوة أو خروجة جماعية .. أو أي تجمع به اختلاط .. ولن تراه إلا مع البنات !!

حتى أني شككت أنه ربما يكون شاذا جنسياً ويعامل الفتيات كأخواته .. ويخشى الفتنة من الأولاد !!

وطبعاً يتحدث بلهجة مقعرة متحذلقة لجذب الانتباه .. فهو لا يقول (عايز أخش الحمام) .. بل يقول (كثرة السوائل سببت Stress على المثانة بيدفعني لإني أدخل دورة المياه منعاً لحدوث اندفاعات أو شلالات منهمرة في نهر الزمن) !! 

وإذا دققت في كلامه .. ستجده أجوفاً أو مكرراً ولا فرق بينه وبين كلام أي شخص آخر .. لكنه كما قلنا حكاك بعنف .. ويريد جذب انتباه الفتيات بأي طريقة !!

ذات يوم في إحدى الندوات التي كنا ننظمها .. كنت واقفاً خلفه.. و رأيته يخرج هاتفه المحمول ويفتح الفيسبوك .. ويدخل على "الإيفنت" الخاص بالندوة .. ويفتح أكونت كل فتاة تفاعلت عليه بـ"لايك" أو "كومنت".. ويفتح صورها ليرى من منهن تصلح كزبونة جديدة !!

ستقول لي أنه من الخطأ أن أتجسس عليه ؟ 

سأقول لك أن أمثال هذا الشخص هم نوع من الحشرات أو الطفيليات ... 

هل يمكنك اتهام عالم يتابع نشاط طفيل تحت المجهر بالفضول والتجسس ؟
أعتقد أن سبب ما يفعله فعلاً هو عقدته من شكله .. فغالباً كانت الفتيات تسخر منه في صغره .. فيحاول الآن أن يثبت أنه رائع .. !
حمداً لله أن علاقتي انقطعت به تماماً الآن .. 
ماذا ؟ أعجبتك وتريدني أن أحكي لك عن شخص آخر ؟ يا خبيث .. تريدني أن ألبس سيئات النميمة وحدي ؟ 
حسناً .. 

***

سأكلمك الآن عن "ست كبيرة" .. نعم .. أنا وغد كما تعلم واكتسبت عداوات من كل الأجناس والأعمار .. إذا أصبحت رئيساً للجمهورية يوماً أعتقد أني سأدخل حروباً أكثر من هتلر وهولاكو ومرتضى منصور .. 
المهم .. هذه السيدة تنتمي لذلك الجيل من النساء .. اللاتي تنحصر حياتهن في التخرج ثم الزواج ثم القعدة في البيت حتى الموت ... 
لا اعتراض لدي طبعاً .. فهكذا كان المجتمع يحتم وقتها ..
لكني لم أفهم لماذا يتم أخذ كلامها على أنه الحكمة المقطرة .. واللؤلؤ المكنون .. في أوساط المثقفين ؟
الخبرة ؟ كل خبرتها في التعامل مع بائعي الخضروات والست أم ريتاج جارتهم .. ومشاهدة مسلسل الساعة سبعة .. كلها لا تشفع لها في أن يكون لها رأي في الثقافة والصالونات الأدبية لو أردت رأيي .. 
فعلاً كانت آراؤها ساذجة للغاية وتدل على ضحالة الفكر وظلام الروح .. لكن كل من كانوا حولي حينها كانوا ينظرون لها برهبة باعتبار أن "وسع للكبير بقى" .. و زاطت الولية فيها .. فأصبحت تتدخل في كل شيء .. وتبدي رأيها في كل الناس .. وإذا كان هناك مشروع خطوبة بين اثنين تتدخل في الحال لتصدر فرماناً أنهما غير مناسبين لبعضهما .. وتوسوس للفتاة بنصائح النكد الأزلي .. وهي نصائح شريرة لدرجة أني في مرة رأيت "إبليس" يهرب من المكان بهلع بعد أن رأى كمية الشر والسواد المنبثقين منها !! فمشاعره حتماً أرق من هذا بكثير !! 
المهم أن هذه السيدة الفاضلة أصبحت تعتبر نفسها كبيرتنا "عافية" .. وتبدي رأيها – السلبي دائماً – في كل شيء .. محيلة حياتنا إلى جحيم .. جحيم ؟ لا بل هو "المطهر Purgatory" الذي يذهب إليه مصاصو الدماء والمستذئبون بعد موتهم !!! 
أطلب لنا كوب قهوة آخر لنهدئ أعصابنا .. فسيرة هذه الولية تلهب أعصابي .. تقول أن القهوة تتعب الأعصاب أكثر ؟ تريدني أن أشرب عصيراً ؟ 
عصير ؟؟؟؟ عصير ؟؟؟؟ يا أخي قاتل الله الارتباط والخطوبة التي حولتك إلى شاب سيس !! 
لنتكلم عن شخص آخر ...

عرفت شاباً مسهوكاً ذات مرة .. نعم مسهوك .. يتكلم بسهتنة وفي عينيه نظرة تشبه نظرة إي تي ..
يحلم أن يكون شخصاً عظيماً ... فقط .. يحلم فقط .. 

يكتب طوال اليوم أحلامه وأمانيه ... نعم طوال اليوم .. 
فهو غالباً قد قرأ حكمة "من طلب العلا سهر الليالي" .. لكنه فهمها خطأ .. فهو يسهر الليالي فقط ليقول أنه يطلب العلا .. ولا يفعل أي شيء آخر !! 
أربع وعشرون ساعة يا مؤمن يكتب بوستات على الفيس بوك عن أحلامه وكم هي رائعة وعظيمة !! 
متى سيحققها إذن ؟؟!! 
وهو يعتقد أنه يملك شبكة علاقات كاملة .. فلو طلبنا مثلاً شخصاً يجيد برمجة الكمبيوتر وفنون الجيجوتسو القتالية ويحمل دكتوراه في سحر الكابالا والفودو .. لأعلن بحماس أنه يعرف رئيس نقابة مهندسي البرجمة والجيجوتسو والكابالا والفودو .. 
الغريب هنا أنني كلما تواصلت مع شخص وأقول له أني من طرف هذا الأخ .. يبدو الضيق والملل واضحاً في صوته .. فآمنت بمقولة "أحمد رزق" العبقرية في فيلم اوعى وشك .. "يا راجل دي حتى الطفاية دي مش طايقاه" .. !! 
طيلة الوقت يقول أنه خبير في كل شيء .. يذكرني بأبو طويلة بتاع مجلة ميكي ! 
وحين سألت عنه في عدد من المؤسسات التي عمل فيها .. عرفت أنه طرد منها جميعا .. لأنهم مهما كلفوه بمهمات يعجز عن أداءها !! 
هييييييييييححح .. أشكال قذرة ... على أية حال لا أريد أن أتناول سيرة الناس .. لنكن نحن في حالنا .. 
كانت جلسة ممتعة جداً .. يجب أن نكررها كثيرا !! 
الآن أطلب لنا كوباً أخيراً من القهوة .. حتى نستطيع النوم .. وإياك .. إياك .. أن تقول أن القهوة تسبب الأرق !! 
إخرس قليلاً ودعني أستمتع بقهوتي بهدوء ... 
هات ولعة هنا يا محروس !!


Friday, April 19, 2019

آخرون ..



آخرون .. 

ظهرت بعض التعليقات العبقرية على مقالاتي السابقة .. أصابتني بالذهول رغم تخيلي أني أصبحت شخصًا غير قابل للاندهاش .. 

تخيل يا صديقي أن يدخل شخص مدونة اسمها ""Only hoshos .. يحيطها السواد من كل اتجاه .. وكتب على قمتها بخط واضح أنها مدونة كئيبة بائسة .. بعد كل هذا يكون تعليقه "انت بتتكلم عن نفسك بس كإن انت الوحيد اللي عندك مشاكل" .. أو يقول "حاول أن تكتب مقالات متفائلة أكثر" ... !! 

أعترف أني عجزت عن الرد للحظات .. فكما تقول الحكمة "إذا لم تستطع أن تبهرهم بذكائك .. حيرهم بغبائك" .. وأشهد أني شعرت بالحيرة فعلًا !! 

على أية حال أشكرهم على تعليقاتهم لأنها ألهمتني بهذا المقال (الكئيب أيضًا) .. موتوا بغيظكم ! 

يقول "سارتر" في مسرحيته القصيرة "لا مخرج" على لسان بطلها جارسين : (الجحيم هو الناس الآخرون) .. 

ليس لأن الناس سيئون ـ رغم أن هذا صحيح ـ لكن لأن مجرد وجود البشر يحدث تفاعلات متسلسلة في حياتك .. تنتهي في الأغلب بتدميرها تمامًا .. 

لم تفهم ؟ 

تخيل مثلًا لو كانت هذه المدونة مشهورة وناجحة .. تخيل أني أصبحت كاتبًا لامعا يتابع الملايين مدونتي .. 

أولًا كنت سأخشى فقدان نجاحي .. ومع الوقت أبدأ في كتابة ما يطلبه الجمهور .. لأحتفظ بهم .. 

كنت سأدخل في معارك في التعليقات ... وربما تظهر عداوة ما مع كاتب آخر يشتمني بلا توقف .. 

وإذا شطح بنا الخيال قد أجد ضابطًا يطالبني بكتابات مؤيدة للنظام .. وإلا تم الزج بي في السجن أو ترتيب فضيحة جنسية ما !! 

أما في الوضع الحالي .. يمكنني أن أشتم أشخاصًا بل وأذكر اسمهم دون أن أخشى شيئا ! 

طيلة عمري كنت انطوائيًا عزوفًا عن مخالطة البشر .. 

وحين بدأت محاولاتي في الانغماس في الاجتماعيات .. أصبت بالذعر !! 

فحين بدأنا في تنظيم الندوات ومناقشات الكتب ونوادي السينما .. فوجئت أني مطالب بالابتسام في وجه أشخاص لا أطيقهم .. بل وأتعامل معهم بمنتهى اللطف ! 

الغريب أن الناس يقبلون أن تشتم شخصًا من وراء ظهره .. عادي .. 

أما إذا أعلنت موقفك منه في وجهه فأنت همجي عديم الأخلاق وأمك قرعة !! 

أما الأقارب والزملاء فحدث ولا حرج .. 

تجد نفسك مطالبًا بواجبات اجتماعية ثقيلة .. حضور زفاف .. عزاء .. تهنئة بالعيد / رمضان / نتيجة الثانوية العامة .. 

وياللعار إذا حضرت فرح "محسن" ولم تحضر فرح "رحاب" .. كبيرة !! كبيرة !! 

تجد نفسك مطالبًا بحضور حفلات مملة وجلسات عائلية سخيفة "عشان مايزعلوش منك" 

أذكر أني في كل مرة كنت أنتهي من إحدى هذه الفعاليات .. كنت أذهب إلى مقهى هادئ مظلم .. وأجلس وحيدًا محاولاً التعافي من آثار الصدمة !! 

تقع في دوامات لا نهاية لها من "علي زعلان منك عشان مسألتش عليه لما ضفره اتكسر" و "عمتك قالت لازم تحضر فرح سعاد" سعاد مين ؟ لا تعرف ولا تريد أن تعرف !!! 

أما الخطوبة والزواج .. ياختيييييييييييييييي 

يقول أحمد خالد توفيق أن الزواج هو أن تحضر البقال وأسرته وتستضيفهم في بيتك طوال العمر فقط لأنك تحب الجبن التركي !! 

أحببت فتاة .. عشت معها أيامًا لا بأس بها .. وفي يوم كئيب ذهبت إلى منزلهم بعلبة الشيكولاتة الخالدة .. 

وحينها بدأت المعاناة .. 

والدها يتشكك .. والدتها تنتقد تسريحة شعري .. خالتها لا يعجبها وضعي المالي .. عمها يرفض شقتي .. 

شقيقها قرر أن يصبح رجلًا ويهددني بفسخ الخطبة إذا حاولت لقاءها وحدنا .. طبعًا كان يتكلم بأسلوب مهين مع كلمات على غرار "مايهمنيش إيه الصح اللي في دماغك .. المهم تعمل الصح اللي في دماغي أنا" .. 

وأنا في المعتاد لا أسكت على الإهانات .. وفي الأغلب تكون يدي أطول من لساني .. لكني اضطررت للصمت .. لماذا ؟ بسبب الضرورات الاجتماعية قاتلها الله !! 

المشكلة أني أظل ساذجًا .. ولا أتعلم أبدًا ... 

فأعاني بشدة في التعاملات الاجتماعية .. لكن في النهاية أفشل ولا أظفر إلا باتهامات وشتيمة !! 

مع الوقت بدأ مجرد وجود البشر في أي مكان يصيبني بالتوتر .. بدأت أهرب من أي تجمع .. وإن لم أسلم من اتهامي بالغرور والعوجان لأني لا أختلط بهم !! 

يشبه الأمر فخًا لا فكاك منه .. فإما أن تكون اجتماعياً وتقضي يومك في التهنئة والعزاء والسؤال والمساعدة وسماع مشاكل غيرك .. وإما أن يتم اتهامك بالغرور .. أو على أحسن الفروض أنك "لسة عيل معندوش خبرة بيتكسف" !! 

في الواقع أنا أفضل الوحدة ... وأقضي أغلب أوقاتي وحيدًا .. حتى في أوقات الترفيه .. أذهب للمطاعم والمقاهي وحدي معظم الوقت .. 

لا أعرف لماذا أصلا يجب أن أتعامل مع بشر ؟ 

كل تعامل انتهى بمشاكل وندوب جديدة في روحي ! 

حتى لو كنت تحب البشر المحيطين بك .. مع الوقت إما ستتغير شخصيتك وتتخلى عنهم .. أو يتغيرون هم وتفقدهم !! 

في كل الأحوال يكون الأمر سخيفًا ومؤلمًا .. 

كم بلغ عدد كلمات المقال ؟ لحظة .. 

800 كلمة !! 

كثير جدًا .. أعطيت البشر أكبر من حجمهم .. لعلي أشاهد فيلمًا ما أو أقرأ كتابًا .. هذا أكثر متعة من البشر بأكملهم .. 

انتهى المقال ..


Thursday, April 11, 2019

حيوان الشيب



حيوان الشيب .. 

في المقال قبل الماضي وعدت أني سأتكلم في المقال التالي عن مميزات اعتزال البشر ... لكني تكلمت عن اكتئابي وتجاهلت الاعتزال تماماً .. 

طبعًا لم ينتبه أحد .. ولم يهاجمني أي قارئ ليذكرني بوعدي .. ببساطة لأني لا أملك قراء أصلًا !! 

لا أحد يقرأ ما أكتب .. لأن الجميع يوهم نفسه أنه سعيد في حياته .. ولا يريد أن يلوث سعادته الوهمية هذه بهلوسات كاتب كئيب غريب الأطوار !! 

يقول لي العيسوي أن كتاباتي تعبر عن الحقيقة .. والبشر يكرهون الحقيقة .. 

أما رأيي فهو أن الناس يكرهون الاكتئاب .. 

فحين تكون كئيبًا وتشكو همك لصديق أو حبيبة .. سيساندك بحماس في البداية .. ثم يكتفي بعدها بمواساتك .. ثم يتحول الأمر إلى ابتسامة مشفقة مع كلمات مثل "معلش .. كله بيعدي" .. وفي النهاية يبدأ التهرب منك ومن وجهك الكئيب العكر .. والحجة الجاهزة طبعًا أنه "أصلي مفحوت في مليون حاجة والله" .. 

وهنا مربط الفرس .. 

ففي بداية أي علاقة سواء كانت صداقة أو حبًا .. تبدأ في اكتشاف مميزات الطرف الآخر .. وتنبهر بها .. 

ولأن الإنسان كائن دنيء ولا يملأ عينه إلا التراب .. مع مرور الوقت تبدأ في التعود على مميزات الطرف الآخر .. وتعتبرها من حقوقك المكتسبة في الحياة .. وتبدأ عيوبه ـ في نفس الوقت ـ في التضخم في عينيك .. إلا أن تستيقظ يومًا لتجد نفسك لا تطيقه .. 

لم تفهم ؟ سأعطيك مثالًا .. 

حين تتعرف على صديق وتجده كريمًا شهمًا جدعًا معك .. وكلما احتجته تجده بجوارك فورًا .. 

في البداية ستنبهر به .. وتراه صديقًا مخلصًا .. 

لكن مع الوقت ستعتاد وجوده .. وستصبح جدعنته أمرًا عاديًا لا يستلفت انتباهك .. ستعتمد دائماً عليه .. بل وستغضب منه إذا لم يكن بجانبك في إحدى المرات .. وستبدأ ملاحظة أنه سمج ثقيل الدم ... والإنسان قد يعتاد الجمال ويتوقف عن الانبهار به .. لكنه لا يعتاد العيوب ولا يتوقف عن الامتعاض منها .. واسأل عن ذلك أي زوج خائن شعر بالملل من زوجته التي كافح للزواج منها !! 

لذلك تجد الجميع يتكلم عن روعة البدايات .. وستجد ألف قصة حب بدأت متأججة كجهنم ثم انطفأت فجأة وتحولت إلى أطلال يمكن أن يكتب عنها أحد شعراء الجاهلية قصيدة عظيمة .. 

أما العظماء من أمثالي فلا ينخدعون بجمال البدايات ... بل يفكرون فورًا في خوازيق النهايات .. 

راجع معي النهايات وقارنها بعلاقاتك في حياتك .. 

أصدقاؤك تفتر علاقتك بهم مع الوقت .. وتتحول الصياعة اليومية معًا إلى لقاء كل أسبوع .. ثم كل شهر .. ثم كل عام .. ثم تلتقي بأحدهم بعد عشرين عامًا صدفة .. ويحلف بالطلاق أن يرتب تجمعًا للشلة لتعود أمجاد الماضي .. طبعًا في المشمش .. 

حبيبتك تبدأ علاقتك بها حالمة ورومانسية .. تشمل القصائد والأغاني العاطفية وتلامس الأيدي الخجول .. ثم ينتهي الحب بأبشع صورة .. إما بالانفصال والبلوك .. وإما بالزواج .. 

تتحول الرومانسية إلى خناقات ونكد .. ويبدأ الشرخ الأبدي في الظهور .. 

علاقتك بأهلك تبدأ بك طفلًا يرى والده بطلًا خارقًا وأمه ينبوع الحنان .. ثم مراهقًا يشعر أن أهله ضيقوا الأفق .. ثم شابًا يرى أن أهله لا يفهمونه ولا يفهمهم .. توطئة لاقتصار العلاقة على زيارات لقبورهم .. 

هل لاحظت ؟ كل العلاقات تنتهي نهاية سوداء !! 

فنحن بشر مختلفون .. ولا يمكن أن ترتاح مع من يختلف عنك .. حتى لو تظاهرت أنك شخص متحضر تجيد التعايش مع الغير .. 

ففي داخل كل منا طفل مزعج يحلم أن تفكر البشرية جمعاء مثله .. ويحبون ما يحبه .. ولن تجد السلام حتى ترضي ذاك الطفل .. 

كيف ترضيه ؟ باقتصار علاقاتك على الشخص الوحيد الذي يماثلك تمامًا في التفكير .. أنت !!! 

الحل ببساطة أن تبقى في "الوضع صفر" كما يقول خبراء الحرب .. تبقى وحيدًا لا تملك ما تخسره .. 

لا يكونن لك شخص عزيز ... تقتدي بـ"بوذا" الذي جلس وحيدًا في منزله أثناء عاصفة .. أغلق بابه على نفسه .. جلس على الأرض مسترخيًا .. لا أملاك .. لا أصدقاء .. لا شيء يخشى فقده .. وقال بهدوء "فلتزأر العاصفة" .. 

لم تقتنع ؟ 

أراهنك حالًا أن تفكر في كل مشاكل حياتك .. ولأكن حمارًا إذا لم تكتشف أن 90% على الأقل منها بسبب علاقاتك بالبشر !! 

ألم تر يومًا شخصًا بشوشاً سعيدًا دخل في علاقة حب وانتهى به الأمر منطفئًا كئيبًا لا يسمع إلا أغاني "مصطفى كامل" عن خوازيق الغرام ؟ 

هل رأيت شلة أصدقاء ليس فيها اثنين لا يطيقان بعضهما ولا يكفان عن الشجار واغتياب بعضهما ؟ 

لم تقتنع ؟ إذن فالعيسوي كان على حق .. الناس لا تحب الحقيقة فعلًا .. حتى لوكانوا يرونها بأم أعينهم ... 

تسألني عن حيوان الشيب عنوان المقال ؟ تحاول تغيير الموضوع أيها الخبيث !! 

الواقع أني احترت في اسم المقال .. فكتبت على جوجل "حيوان يعيش وحيدًا" .. لأجد هذا الحيوان ذو الاسم الغريب .. حيوان الشيب .. 

هذا الحيوان يعيش حياته منفردًا .. وحتى لا يتزوج .. لأنه هجين بين الضبع والذئب .. سلعوة ؟ لا .. السلعوة هجين الذئب والكلب .. 

فيقال أنه قد توجد أنثى ضبع قبيحة عجفاء .. لا تجد ذكرًا في موسم تزاوج الضباع .. فتضطر للتزاوج مع ذئب وخلاص !!! 

وتنجب ذلك الكائن الساحر .. الشيب .. 

تأمله في الصور ... جليلًا شامخًا قويًا متفردًا .. لا زوجة نكدية ولا مضطر للسير في قطيع كالأبله خلف قائد لا يقل عنه بلاهة !! 

لذلك هو موشك على الانقراض .. فكل هذا الجمال لا تستحقه الدنيا ... 

وكذلك البشر .. ينقرض العباقرة الذين قرروا اعتزال العالم .. ويتزوج الحمقى والبلهاء ويتناسلون ليمتلئ العالم بذريتهم التي لن تختلف عنهم !! 

كن وحيدًا .. كن متفردًا .. إياك والبشر .. ابتعد عنهم تكن مرتاح البال .. 

لازلت غير مقتنع ؟ اعتبر أنك لم تقرأ شيئًا واذهب إلى الجحيم .. 



Friday, April 5, 2019

مريض


مريض .. 

قرأت قصة رهيبة منذ أعوام .. تحكي عن رجل استيقظ ذات صباح ليجد أصابعه العشرة مشتبكة معًا ! 

أتعرف حين تشتبك يدك مع يد حبيبتك ؟ أو اشتباك يدي المتنافسين في المصارعة الرومانية ؟ هي ذاتها .. لكن الفرق أن يديه تشتبكان معًا .. ليس مع يد شخص آخر !! 

حاول المسكين أن يفكهما بلا فائدة .. كأنما تم لحامهما معًا .. 

هرع إلى زوجته مذعورًا .. طلب منها أن تساعده .. لكنها أشاحت وجهها وقالت ما معناه "كفاية دلع .. ماتنساش البامبرز وانت راجع " .. 

ذهب الرجل إلى عمله .. ويداه لاتزالان مشتبكتان .. طلب مساعدة زملائه .. لكنهم قالوا ببرود "مش هنعمل شغلك بدالك .. بلاش هزار" ... 

ذهب إلى مديره ... ساعدني .. حاول أن تفك يدي أرجوك .. لكن مديره ببرود أكثر طالبه بالكف عن التمارض .. لا توجد إجازات .. 

مشى المسكين في الشارع .. وكلما طلب مساعدة المارة ظنوه إما مجنونًا أو متسولًا !! 

وقف شاردًا فوق أحد الكباري ... هل سيقضي بقية عمره هكذا ؟ مشتبك اليدين ؟ 

لماذا لم يساعده أحد ؟ لماذا لا يسمعونه أصلًا ؟ 

قرر الرجل الانتحار قفزًا من فوق الكوبري ... استند أولًا بإحدى يديه على سور الكوبري .. ثم باليد الأخرى .. ثم رفع جسده وقفز ليسقط ميتًا .. غير منتبه ـ البائس ـ أن اشتباك أصابعه انفك وهو يستند إلى السور !!!! 

قصة مرعبة .. فأشنع أنواع الرعب ليس الزومبي ودراكيولا .. بل هو التغيرات التي تصيب أجسادنا بلا تفسير .. ربما لهذا كانت طريقة الإعدام المحببة في بعض العصور هو قطع أجزاء من جسد المجرم مع بقاءه حيًا حتى آخر لحظة ! 

لم أدرك بشاعة هذه القصة إلا حين مررت بموقف مشابه .. 

كنت قد مررت بأحداث دامية طيلة عام كامل .. كنت أعمل فيه في دولة إفريقية في ظروف بالغة القسوة وتعرضت للموت عدة مرات ... لأعود منها حطامًا بشريًا .. 

عدت لأجد الجميع ينتظرني بحماس .. ويسألونني عن خطوتي القادمة .. وكنت حينها خاطبًا لفتاة .. لم يكف والدها عن سؤالي عن ميعاد الزواج بعد ما عدت بالسلامة .. 

لكنهم جميعًا لم ينتبهوا أني عدت كما يذهب الفيل العجوز إلى مقبرة الأفيال حين يتوقع الموت .. ويظل جالسًا في مكانه حتى تصعد روحه .. 

الجميع توقعوا أن أعود كما أنا بلا تغيير .. لكن جرحًا غائرًا كان في أعماق روحي .. ملوثاً ينشر الصديد حوله بلا توقف .. 

حاولت الشرح لمن حولي .. 

أنا مكتئب .. إن روحي تتآكل يا بشر .. يا ناس .. بلا فائدة .. 

أتجه لأهلي .. لكنهم لم يفهموا إلا أنهم حذروني كثيرًا من السفر لكني لم أستمع لهم .. وهم ـ كأي أهل في الواقع ـ لا يفهمون أن يكتئب من يأكل ويشرب ولديه سقف يؤويه .. 

اتجهت لخطيبتي لأجد أنها لا تفكر إلا في أن أعوضها عن غيابي .. وأنها تريد أن تعيش تجربة الخطوبة الرومانسية .. وتريد أن تعيش الاحتواء والأمان والحب إلى آخر هذا الهجص الذي لا يجدن إلا هو .. 

أتجه لأصدقائي لأجد كلًا منهم يبتعد تدريجيًا بما يسمونه "مشاغل الحياة" .. التي لم أؤمن بها يومًا .. فمن كانت لديه مشاغل طوال 24 ساعة يوميًا حتمًا هو رئيس جمهورية العالم !! 

فطنت مذعورًا أني وحدي تمامًا !! 

أنا مكتئب .. يا جماعة ليفعل أحد شيئًا !! 

حتى من حاول المساعدة .. ليس لديه ما يفعله سوى الكلام المكرر "انت إيمانك ضعيف " و "اقرا قرآن وانت تبقى كويس" و "اعمل حاجات صغيرة بتحبها هتتبسط" أو من يقول بثقة "أنا كنت زيك كدة والحمد لله بقيت كويس"!! 

وهناك أوغاد يقولون ببرود "كلنا عندنا مشاكل وبلاوي .. مش لوحدك" 

فكرت أن الطبيب النفسي هو الحل .. خاصة أن الجميع بدأ يرحل بالتتابع .. فقد اعتاد الجميع مني أن أتواصل معهم دائمًا .. أنا من يجمع الشلة .. أنا من أقف بجوار أي شخص لديه مشكلة .. 

وحين فقدت قدرتي على التواصل رحل الجميع ... 

رحلت خطيبتي لأنها وجدتني كئيبًا أكثر من اللازم .. 

رحل أصدقائي بحجج مختلفة تتراوح من "مشاغل الدنيا" و"أصل أنا مفحوت في مليون حاجة والله" إلى "أصل انت اتغيرت" !! 

ذهبت إلى طبيب نفسي رشحه لي أحدهم .. لكنه ـ الوغد ـ استمع إلي 3 دقائق .. وبعدها قذف الروشتة في وجهي .. مضاد اكتئاب .. 

بدأت في تعاطيه لأجد أني أنام نوم الدب القطبي في البيات الشتوي .. قد أنام 12 ساعة متواصلة وأظل عاجزًا عن النهوض .. وأصبحت أتأخر عن عملي ساعة كاملة على الأقل يوميًا .. وأقضي يومي فيه نصف نائم أحلم أني قتلت الطبيب الوغد حرقًا وصعقًا ورميًا بالرصاص .. 

اللعنة .. اللعنة عليكم جميعًا .. أنا مكتئب يا أوغاد .. يا أوساخ .. فليساعدني أحد !!! 

ازداد ابتعاد الجميع .. ازدادت وحدتي .. والمزيد من "قرب من ربنا وانت تبقى كويس" .. كأن الاكتئاب ليس مرضًا .. كأن مرضاً مثل السرطان يمكن يشفى بقراءة القرآن .. 

قطعت علاقتي بالجميع .. أصبحت المكالمات الهاتفية عذابًا مقيمًا .. فلان زعلان منك .. انت ظلمت علان .. ترتان لديه مشكلة ويريد أن تساعده .. 

بدأت أضع همي في العمل ... ضغطت نفسي حتى كدت أنهار .. بلا فائدة .. 

خرجت خلسة فجرًا مقررًا إنهاء حياتي .. 

تركت خطاب انتحار كالأفلام على فراشي .. وخرجت .. 

وقفت أمام البحر .. هل أقفز ؟ 

فكرت .. وجدت الأمر مبتذلًا .. أنتحر بسبب الاكتئاب ؟ وماذا لو وجدت الاكتئاب قد اختفى قبل الموت بثانية واحدة كالرجل في تلك القصة ؟ 

ثم فطنت لأمر مرعب .. أني حتى لا أملك طاقة للانتحار !! 

أتعرف هذا الشعور ؟ أنك حتى لو وجدت حل كل مشاكلك ملقى على الأرض أمامك لن تجد طاقة تكفيك للانحناء والتقاطه ؟ 

عدت للمنزل .. مزقت الخطاب .. وانفجرت ضاحكًا بمرارة .. ضحك ممزوج بالدموع .. ثم نمت .. 

لا أعرف .. لم أعد أشعر بطعم لأي شيء .. 

صرت أراقب كل شيء من بعيد بسخرية .. 

لا أهداف .. لا طموحات .. لا أريد معارك أنتصر فيها أو أنهزم .. 

تحولت لأول مرة إلى شخص زاهد .. لا أريد إلا أن أذهب إلى العمل .. ثم المقهى أدخن وأرمق العالم بشرود .. ثم النوم .. 

لم أعد أهتم بإظهار اكتئابي لأحد .. فلن يساعدني أحد ... 

لم أعد أهتم حتى أن أخرج من اكتئابي .. لماذا أخرج ؟ فالحياة لا تحوي إلا مجموعة من الخوازيق .. إذا خرجت منه حتمًا سأعود إليه من جديد .. 

لم أعد مهتمًا بالعلاج .. لم أعد مهتمًا بالحياة .. تحولت بالنسبة لي إلى أيام أنتظر مرورها بصبر .. ترعبني فكرة أني قد أعيش إلى عمر السبعين أو الثمانين .. وأراها مدة طويلة .. طويلة جدًا .. 

لم تعد تهمني نظرة الناس لي .. في الواقع لم يعد الناس بأكملهم يهمونني .. 

كل شخص هو عبارة خازوق متنكر .. ينتظر اللحظة المناسبة لينقض علي مسبباً جرحًا جديدًا في روحي .. 

لم أعد أشتهي النجاح أو الثراء .. 

وأدعو الله يوميًا أن يكون عمري قصيرًا لتنتهي هذه المسرحية السخيفة .. فأنا لا أجد الطاقة ولا القوة لإنهائها بنفسي .. 

ما هدف هذا المقال ؟ لا هدف .. فقط أخرج ما بداخلي حتى لا أصاب بالجنون .. وأنا أعلم أن أحدًا لن يهتم بما أكتب .. 

سايوناراااااااااااااا ..