مريض ..
قرأت قصة رهيبة منذ أعوام .. تحكي عن رجل استيقظ ذات صباح ليجد أصابعه العشرة مشتبكة معًا !
أتعرف حين تشتبك يدك مع يد حبيبتك ؟ أو اشتباك يدي المتنافسين في المصارعة الرومانية ؟ هي ذاتها .. لكن الفرق أن يديه تشتبكان معًا .. ليس مع يد شخص آخر !!
حاول المسكين أن يفكهما بلا فائدة .. كأنما تم لحامهما معًا ..
هرع إلى زوجته مذعورًا .. طلب منها أن تساعده .. لكنها أشاحت وجهها وقالت ما معناه "كفاية دلع .. ماتنساش البامبرز وانت راجع " ..
ذهب الرجل إلى عمله .. ويداه لاتزالان مشتبكتان .. طلب مساعدة زملائه .. لكنهم قالوا ببرود "مش هنعمل شغلك بدالك .. بلاش هزار" ...
ذهب إلى مديره ... ساعدني .. حاول أن تفك يدي أرجوك .. لكن مديره ببرود أكثر طالبه بالكف عن التمارض .. لا توجد إجازات ..
مشى المسكين في الشارع .. وكلما طلب مساعدة المارة ظنوه إما مجنونًا أو متسولًا !!
وقف شاردًا فوق أحد الكباري ... هل سيقضي بقية عمره هكذا ؟ مشتبك اليدين ؟
لماذا لم يساعده أحد ؟ لماذا لا يسمعونه أصلًا ؟
قرر الرجل الانتحار قفزًا من فوق الكوبري ... استند أولًا بإحدى يديه على سور الكوبري .. ثم باليد الأخرى .. ثم رفع جسده وقفز ليسقط ميتًا .. غير منتبه ـ البائس ـ أن اشتباك أصابعه انفك وهو يستند إلى السور !!!!
قصة مرعبة .. فأشنع أنواع الرعب ليس الزومبي ودراكيولا .. بل هو التغيرات التي تصيب أجسادنا بلا تفسير .. ربما لهذا كانت طريقة الإعدام المحببة في بعض العصور هو قطع أجزاء من جسد المجرم مع بقاءه حيًا حتى آخر لحظة !
لم أدرك بشاعة هذه القصة إلا حين مررت بموقف مشابه ..
كنت قد مررت بأحداث دامية طيلة عام كامل .. كنت أعمل فيه في دولة إفريقية في ظروف بالغة القسوة وتعرضت للموت عدة مرات ... لأعود منها حطامًا بشريًا ..
عدت لأجد الجميع ينتظرني بحماس .. ويسألونني عن خطوتي القادمة .. وكنت حينها خاطبًا لفتاة .. لم يكف والدها عن سؤالي عن ميعاد الزواج بعد ما عدت بالسلامة ..
لكنهم جميعًا لم ينتبهوا أني عدت كما يذهب الفيل العجوز إلى مقبرة الأفيال حين يتوقع الموت .. ويظل جالسًا في مكانه حتى تصعد روحه ..
الجميع توقعوا أن أعود كما أنا بلا تغيير .. لكن جرحًا غائرًا كان في أعماق روحي .. ملوثاً ينشر الصديد حوله بلا توقف ..
حاولت الشرح لمن حولي ..
أنا مكتئب .. إن روحي تتآكل يا بشر .. يا ناس .. بلا فائدة ..
أتجه لأهلي .. لكنهم لم يفهموا إلا أنهم حذروني كثيرًا من السفر لكني لم أستمع لهم .. وهم ـ كأي أهل في الواقع ـ لا يفهمون أن يكتئب من يأكل ويشرب ولديه سقف يؤويه ..
اتجهت لخطيبتي لأجد أنها لا تفكر إلا في أن أعوضها عن غيابي .. وأنها تريد أن تعيش تجربة الخطوبة الرومانسية .. وتريد أن تعيش الاحتواء والأمان والحب إلى آخر هذا الهجص الذي لا يجدن إلا هو ..
أتجه لأصدقائي لأجد كلًا منهم يبتعد تدريجيًا بما يسمونه "مشاغل الحياة" .. التي لم أؤمن بها يومًا .. فمن كانت لديه مشاغل طوال 24 ساعة يوميًا حتمًا هو رئيس جمهورية العالم !!
فطنت مذعورًا أني وحدي تمامًا !!
أنا مكتئب .. يا جماعة ليفعل أحد شيئًا !!
حتى من حاول المساعدة .. ليس لديه ما يفعله سوى الكلام المكرر "انت إيمانك ضعيف " و "اقرا قرآن وانت تبقى كويس" و "اعمل حاجات صغيرة بتحبها هتتبسط" أو من يقول بثقة "أنا كنت زيك كدة والحمد لله بقيت كويس"!!
وهناك أوغاد يقولون ببرود "كلنا عندنا مشاكل وبلاوي .. مش لوحدك"
فكرت أن الطبيب النفسي هو الحل .. خاصة أن الجميع بدأ يرحل بالتتابع .. فقد اعتاد الجميع مني أن أتواصل معهم دائمًا .. أنا من يجمع الشلة .. أنا من أقف بجوار أي شخص لديه مشكلة ..
وحين فقدت قدرتي على التواصل رحل الجميع ...
رحلت خطيبتي لأنها وجدتني كئيبًا أكثر من اللازم ..
رحل أصدقائي بحجج مختلفة تتراوح من "مشاغل الدنيا" و"أصل أنا مفحوت في مليون حاجة والله" إلى "أصل انت اتغيرت" !!
ذهبت إلى طبيب نفسي رشحه لي أحدهم .. لكنه ـ الوغد ـ استمع إلي 3 دقائق .. وبعدها قذف الروشتة في وجهي .. مضاد اكتئاب ..
بدأت في تعاطيه لأجد أني أنام نوم الدب القطبي في البيات الشتوي .. قد أنام 12 ساعة متواصلة وأظل عاجزًا عن النهوض .. وأصبحت أتأخر عن عملي ساعة كاملة على الأقل يوميًا .. وأقضي يومي فيه نصف نائم أحلم أني قتلت الطبيب الوغد حرقًا وصعقًا ورميًا بالرصاص ..
اللعنة .. اللعنة عليكم جميعًا .. أنا مكتئب يا أوغاد .. يا أوساخ .. فليساعدني أحد !!!
ازداد ابتعاد الجميع .. ازدادت وحدتي .. والمزيد من "قرب من ربنا وانت تبقى كويس" .. كأن الاكتئاب ليس مرضًا .. كأن مرضاً مثل السرطان يمكن يشفى بقراءة القرآن ..
قطعت علاقتي بالجميع .. أصبحت المكالمات الهاتفية عذابًا مقيمًا .. فلان زعلان منك .. انت ظلمت علان .. ترتان لديه مشكلة ويريد أن تساعده ..
بدأت أضع همي في العمل ... ضغطت نفسي حتى كدت أنهار .. بلا فائدة ..
خرجت خلسة فجرًا مقررًا إنهاء حياتي ..
تركت خطاب انتحار كالأفلام على فراشي .. وخرجت ..
وقفت أمام البحر .. هل أقفز ؟
فكرت .. وجدت الأمر مبتذلًا .. أنتحر بسبب الاكتئاب ؟ وماذا لو وجدت الاكتئاب قد اختفى قبل الموت بثانية واحدة كالرجل في تلك القصة ؟
ثم فطنت لأمر مرعب .. أني حتى لا أملك طاقة للانتحار !!
أتعرف هذا الشعور ؟ أنك حتى لو وجدت حل كل مشاكلك ملقى على الأرض أمامك لن تجد طاقة تكفيك للانحناء والتقاطه ؟
عدت للمنزل .. مزقت الخطاب .. وانفجرت ضاحكًا بمرارة .. ضحك ممزوج بالدموع .. ثم نمت ..
لا أعرف .. لم أعد أشعر بطعم لأي شيء ..
صرت أراقب كل شيء من بعيد بسخرية ..
لا أهداف .. لا طموحات .. لا أريد معارك أنتصر فيها أو أنهزم ..
تحولت لأول مرة إلى شخص زاهد .. لا أريد إلا أن أذهب إلى العمل .. ثم المقهى أدخن وأرمق العالم بشرود .. ثم النوم ..
لم أعد أهتم بإظهار اكتئابي لأحد .. فلن يساعدني أحد ...
لم أعد أهتم حتى أن أخرج من اكتئابي .. لماذا أخرج ؟ فالحياة لا تحوي إلا مجموعة من الخوازيق .. إذا خرجت منه حتمًا سأعود إليه من جديد ..
لم أعد مهتمًا بالعلاج .. لم أعد مهتمًا بالحياة .. تحولت بالنسبة لي إلى أيام أنتظر مرورها بصبر .. ترعبني فكرة أني قد أعيش إلى عمر السبعين أو الثمانين .. وأراها مدة طويلة .. طويلة جدًا ..
لم تعد تهمني نظرة الناس لي .. في الواقع لم يعد الناس بأكملهم يهمونني ..
كل شخص هو عبارة خازوق متنكر .. ينتظر اللحظة المناسبة لينقض علي مسبباً جرحًا جديدًا في روحي ..
لم أعد أشتهي النجاح أو الثراء ..
وأدعو الله يوميًا أن يكون عمري قصيرًا لتنتهي هذه المسرحية السخيفة .. فأنا لا أجد الطاقة ولا القوة لإنهائها بنفسي ..
ما هدف هذا المقال ؟ لا هدف .. فقط أخرج ما بداخلي حتى لا أصاب بالجنون .. وأنا أعلم أن أحدًا لن يهتم بما أكتب ..
سايوناراااااااااااااا ..

للاسف انا احد هولاء الاصدقاء
ReplyDelete