Friday, April 19, 2019

آخرون ..



آخرون .. 

ظهرت بعض التعليقات العبقرية على مقالاتي السابقة .. أصابتني بالذهول رغم تخيلي أني أصبحت شخصًا غير قابل للاندهاش .. 

تخيل يا صديقي أن يدخل شخص مدونة اسمها ""Only hoshos .. يحيطها السواد من كل اتجاه .. وكتب على قمتها بخط واضح أنها مدونة كئيبة بائسة .. بعد كل هذا يكون تعليقه "انت بتتكلم عن نفسك بس كإن انت الوحيد اللي عندك مشاكل" .. أو يقول "حاول أن تكتب مقالات متفائلة أكثر" ... !! 

أعترف أني عجزت عن الرد للحظات .. فكما تقول الحكمة "إذا لم تستطع أن تبهرهم بذكائك .. حيرهم بغبائك" .. وأشهد أني شعرت بالحيرة فعلًا !! 

على أية حال أشكرهم على تعليقاتهم لأنها ألهمتني بهذا المقال (الكئيب أيضًا) .. موتوا بغيظكم ! 

يقول "سارتر" في مسرحيته القصيرة "لا مخرج" على لسان بطلها جارسين : (الجحيم هو الناس الآخرون) .. 

ليس لأن الناس سيئون ـ رغم أن هذا صحيح ـ لكن لأن مجرد وجود البشر يحدث تفاعلات متسلسلة في حياتك .. تنتهي في الأغلب بتدميرها تمامًا .. 

لم تفهم ؟ 

تخيل مثلًا لو كانت هذه المدونة مشهورة وناجحة .. تخيل أني أصبحت كاتبًا لامعا يتابع الملايين مدونتي .. 

أولًا كنت سأخشى فقدان نجاحي .. ومع الوقت أبدأ في كتابة ما يطلبه الجمهور .. لأحتفظ بهم .. 

كنت سأدخل في معارك في التعليقات ... وربما تظهر عداوة ما مع كاتب آخر يشتمني بلا توقف .. 

وإذا شطح بنا الخيال قد أجد ضابطًا يطالبني بكتابات مؤيدة للنظام .. وإلا تم الزج بي في السجن أو ترتيب فضيحة جنسية ما !! 

أما في الوضع الحالي .. يمكنني أن أشتم أشخاصًا بل وأذكر اسمهم دون أن أخشى شيئا ! 

طيلة عمري كنت انطوائيًا عزوفًا عن مخالطة البشر .. 

وحين بدأت محاولاتي في الانغماس في الاجتماعيات .. أصبت بالذعر !! 

فحين بدأنا في تنظيم الندوات ومناقشات الكتب ونوادي السينما .. فوجئت أني مطالب بالابتسام في وجه أشخاص لا أطيقهم .. بل وأتعامل معهم بمنتهى اللطف ! 

الغريب أن الناس يقبلون أن تشتم شخصًا من وراء ظهره .. عادي .. 

أما إذا أعلنت موقفك منه في وجهه فأنت همجي عديم الأخلاق وأمك قرعة !! 

أما الأقارب والزملاء فحدث ولا حرج .. 

تجد نفسك مطالبًا بواجبات اجتماعية ثقيلة .. حضور زفاف .. عزاء .. تهنئة بالعيد / رمضان / نتيجة الثانوية العامة .. 

وياللعار إذا حضرت فرح "محسن" ولم تحضر فرح "رحاب" .. كبيرة !! كبيرة !! 

تجد نفسك مطالبًا بحضور حفلات مملة وجلسات عائلية سخيفة "عشان مايزعلوش منك" 

أذكر أني في كل مرة كنت أنتهي من إحدى هذه الفعاليات .. كنت أذهب إلى مقهى هادئ مظلم .. وأجلس وحيدًا محاولاً التعافي من آثار الصدمة !! 

تقع في دوامات لا نهاية لها من "علي زعلان منك عشان مسألتش عليه لما ضفره اتكسر" و "عمتك قالت لازم تحضر فرح سعاد" سعاد مين ؟ لا تعرف ولا تريد أن تعرف !!! 

أما الخطوبة والزواج .. ياختيييييييييييييييي 

يقول أحمد خالد توفيق أن الزواج هو أن تحضر البقال وأسرته وتستضيفهم في بيتك طوال العمر فقط لأنك تحب الجبن التركي !! 

أحببت فتاة .. عشت معها أيامًا لا بأس بها .. وفي يوم كئيب ذهبت إلى منزلهم بعلبة الشيكولاتة الخالدة .. 

وحينها بدأت المعاناة .. 

والدها يتشكك .. والدتها تنتقد تسريحة شعري .. خالتها لا يعجبها وضعي المالي .. عمها يرفض شقتي .. 

شقيقها قرر أن يصبح رجلًا ويهددني بفسخ الخطبة إذا حاولت لقاءها وحدنا .. طبعًا كان يتكلم بأسلوب مهين مع كلمات على غرار "مايهمنيش إيه الصح اللي في دماغك .. المهم تعمل الصح اللي في دماغي أنا" .. 

وأنا في المعتاد لا أسكت على الإهانات .. وفي الأغلب تكون يدي أطول من لساني .. لكني اضطررت للصمت .. لماذا ؟ بسبب الضرورات الاجتماعية قاتلها الله !! 

المشكلة أني أظل ساذجًا .. ولا أتعلم أبدًا ... 

فأعاني بشدة في التعاملات الاجتماعية .. لكن في النهاية أفشل ولا أظفر إلا باتهامات وشتيمة !! 

مع الوقت بدأ مجرد وجود البشر في أي مكان يصيبني بالتوتر .. بدأت أهرب من أي تجمع .. وإن لم أسلم من اتهامي بالغرور والعوجان لأني لا أختلط بهم !! 

يشبه الأمر فخًا لا فكاك منه .. فإما أن تكون اجتماعياً وتقضي يومك في التهنئة والعزاء والسؤال والمساعدة وسماع مشاكل غيرك .. وإما أن يتم اتهامك بالغرور .. أو على أحسن الفروض أنك "لسة عيل معندوش خبرة بيتكسف" !! 

في الواقع أنا أفضل الوحدة ... وأقضي أغلب أوقاتي وحيدًا .. حتى في أوقات الترفيه .. أذهب للمطاعم والمقاهي وحدي معظم الوقت .. 

لا أعرف لماذا أصلا يجب أن أتعامل مع بشر ؟ 

كل تعامل انتهى بمشاكل وندوب جديدة في روحي ! 

حتى لو كنت تحب البشر المحيطين بك .. مع الوقت إما ستتغير شخصيتك وتتخلى عنهم .. أو يتغيرون هم وتفقدهم !! 

في كل الأحوال يكون الأمر سخيفًا ومؤلمًا .. 

كم بلغ عدد كلمات المقال ؟ لحظة .. 

800 كلمة !! 

كثير جدًا .. أعطيت البشر أكبر من حجمهم .. لعلي أشاهد فيلمًا ما أو أقرأ كتابًا .. هذا أكثر متعة من البشر بأكملهم .. 

انتهى المقال ..


No comments:

Post a Comment