Friday, September 4, 2020

كيف تصبح متدينًا في ثلاث خطوات





كيف تصبح متدينًا في ثلاث خطوات 

قد يبدو العنوان تقليديًا .. وقد تظن أنه مقال ديني .. لكني هنا لست بصدد التحدث عن التدين الطبيعي المعروف .. بل أتحدث عن ترقيتك إلى رتبة أعلى .. حامي حمى الدين .. قاهر الإلحاد .. صاروخ الدين .. وكل هذا دون أن تبذل مجهودًا يذكر ! 

لذا دعنا نبدأ حالًا دون إبطاء !! 

أولًا : اختر شيخك ! 

يكفي فقط أن تختار شيخًا واحدًا تمشي خلفه مغمضًا عينيك !! 

كيف تختاره ؟ خليك ورايا ! 

لا يهم مقدار علمه .. ولا يهم أن تتأكد من صحة كلامه .. 

المهم فقط أن يكون شيخًا من نوعية "قاصف جبهات الملحدين" .. وبوستات الفيس بوك الحارقة الساحقة الماحقة .. 

يشتم جميع المختلفين معه .. ويتعامل باعتبار أن العلم الحقيقي عنده وحده .. وأنه درع الإسلام ضد العلمانيين والملحدين .. 

هنا فقط عليك أن تختاره .. وتتابعه بكل جوارحك كالكلب الوفي .. 

ومن المهم أن يكون منتشرًا على مواقع التواصل الاجتماعي .. لا أن تكون مضطرًا للذهاب إلى ـ أستغفر الله العظيم ـ المكتبات لتبحث عن كتبه .. أو تضطر لتقوية لغتك أو لتضييع ساعات طويلة في القراءة والبحث وتشغيل المخ .. وكل هذه الأمور التافهة التي يقوم بها الحمقى لتفهم آراءه ! 

نحن هنا نتحدث عن الطريق السهل .. لا يهم أن يكون له أي بحث أو إنجاز .. بل بعض البوستات أو الفيديوهات على الفيس بوك وشكرًا ! 

هل اخترته ؟ أحسنت .. كنت أعرف أنك ستفعلها ! 

والآن إلى الخطوة الثانية لنصنع منك متدينًا لا يشق له غبار ! 

ثانيًا : نظرية الطالب الفاشل ! 

فيما مضى كان التبحر في الدين صعبًا .. تقرأ عشرات الكتب .. تتابع التفسيرات المختلفة للقرآن الكريم والسنة النبوية .. تستمع لآراء عدد من العلماء .. حتى تحصل على نظرة واسعة للدين .. وتستفتي قلبك لتعرف الطريق السليم .. 

لكن الآن يا صديقي لم يعد هناك أي داعٍ لتتعب نفسك بالقراءة والبحث .. عليك أن تتبع نظرية الطالب الفاشل الذي قرر أن يصبح الأول على الصف عن طريق قتل جميع زملائه بدلًا من المذاكرة ! 

كيف تفعلها ؟ 

قم بالتشكيك في دين الجميع !! 

أي شخص يحاول حتى التفكير في إثارة نقاش ديني .. أو انتقاد شيخك الذي اخترته في الخطوة السابقة ... قم بنكحه بلا تردد !! 

وعليك في هذه الخطوة أن تنسى الحديث الشريف "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء" .. فنحن هنا ندافع عن الدين !! 

أي شخص يقول آراء لا تروق لشيخك عليك بشتمه والتشكيك في دينه ورجولته ونشاطات أمه الجنسية ! 

وإذا أردت أن تصبح أكثر تأثيرًا أضف لقاموسك بعض الشتائم التي تبدو متدينة .. فبدلًا من "ابن الوسخة" يمكنك أن تقول "ابن الزانية" .. 

لكن تبديل قاموس شتائمك سيكون شاقًا ويتطلب بحثًا .. وأنا وعدتك أن تصبح متدينًا بلا مجهود .. لذا يمكنك التغاضي عن هذا .. واشتم براحتك .. فهم مجموعة من الكفرة الزناديق على كل حال .. 

الخلاصة .. بدلًا من بذل الجهد لترفع نفسك .. قم بجذب الآخرين للأسفل ! 

هل سنضيع وقتنا في البحث عن الكمال ؟ لا طبعًا فنحن لسنا أغبياء .. احتفظ بوساختك كما هي .. لكن اجعل الآخرين يشعرون أنهم أوسخ منك !! 

ثالثًا : اهتم بالمظاهر ! 

لا .. لا تطلق لحيتك ولا ترتدي الجلباب .. فحينها سيتم إلقاؤك في المعتقلات بلا رحمة ! 

هناك حلول أسهل لتبدو متدينًا رائعًا دون أن تعرض نفسك لأي أذى ! 

الخطوة الأولى هي تحويل الدعاء من علاقة خاصة بينك وبين ربك .. إلى علاقة عامة يراها الجميع ! 

افتح الفيسبوك وانشر الأدعية بلا هوادة .. ادعي لنفسك ولزوجتك وأولادك وصحتك وكل شيء .. المهم أن يرى الجميع كم أنت متدين رائع وتدعو الله دومًا ! 

والخطوة الثانية هي تشيير أي قصة تدل على عظمة الدين حتى لو كانت مضروبة ولا أساس لها من الصحة .. لكننا كما اتفقنا لن نقرأ ولن نبحث ... فلا يهم أن تكون صحيحة .. 

وإذا علق أحدهم أن القصة مضروبة قم بنكحه أيضًا بلا تردد .. فهو غالبًا ملحد وغد وابن زانية كما تعرف ! 

عليك أيضًا أن تعشق الدولة العثمانية .. وتتعامل مع الدولة الأموية والعباسية وغيرها كأنها غير موجودة ! 

لماذا ؟ لأنك لن تجد على الفيسبوك بوستات تتحدث إلا عن الدولة العثمانية ! 

ستجد القصص عن فتح القسطنطينية .. ولن تجد قصة واحدة عن فتح بلاد فارس أو إفريقيا ! 

ستجد قصصًا مضروبة عن العزة والكرامة في زمن الدولة العثمانية .. ولن تجد قصة واحدة عن أن السلطان العثماني لم يكن خليفة للمسلمين أصلًا .. لكنه أعلن أنه خليفة لمصلحة شخصية .. 

لذا عليك التمرغ في عشق الدولة العثمانية .. فهذا سيفتح لك أبوابًا لا حصر لها لبوستات تشيرها لتظهر أنك متدين رائع ! 

المهم هنا أن تخفي بوستاتك عن أي ضابط شرطة أو جيش تعرفه حتى لا تذهب وراء الشمس .. وإذا كنت تعيش في الخارج اخفها عن أي أجنبي .. 

فأنت حتمًا ستشتم الملاحدة العلمانيين الشواذ أولاد الزانية .. وقد يكون مديرك في عملك بالخارج شاذا ملحدًا أصلًا .. وأنت تريد أن تصبح متدينًا طبعاً .. لكن دون أن تتعرض لأي ضرر دفاعًا عن دينك .. 

عامة قم بإخفاء بوستاتك عن أي شخص لا تستطيع نكحه واتهامه أنه ابن زانية .. 

ما هي أهمية خطوة المظاهر ؟ 

أقولك .. هذه الخطوة تسمح لك أن تكون وغدًا نذلًا كذوبًا بخيلًا متحرشًا في السر .. فهي توفر لك غطاء رائعًا تخفي به وساختك .. ويسمح لك باتهام الآخرين أنهم أوسخ منك .. فتصبح أفضل منهم كما اتفقنا في الخطوة السابقة ! 

وهكذا عزيزي القارئ أقول لك مبروك !! 

أنت الآن متدين لا يشق لك غبار .. وأصبحت لك سمعتك كحامي حمى الدين .. وربما بعد أعوام تجد أصدقائك يستفتونك في أمور الدنيا والدين ! 

بالشفا يا حبيبي ..



Friday, August 7, 2020

هلاوس بلا هدف


هلاوس بلا هدف 

أجلس في القهوة وحيدًا .. 

أفتح الـ"لاب توب" في محاولة لكتابة مقال جديد .. أتأمل الصفحة البيضاء بلا سوء .. لم أكتب كلمة واحدة .. 

هل انتهت أفكاري أخيرًا ؟ 

لا أعرف حتى من أين أبدأ .. 

هنا امتدت يد عابثة تغلق شاشة الجهاز .. نظرت لصاحبها .. إنه صديقي .. 

صديقي : مازلت تكتب ؟ 

أنا : أحاول .. لم أرك منذ زمن .. 

صديقي : مشاغل الدنيا كما تعرف .. 

أنا : نعم نعم .. الحجة الأبدية .. 

صديقي "بتعاطف" : أعرف أن الوحدة صعبة .. لكنك لست مضطراً للبقاء وحدك .. 

أنا : صدقني البعد عن الناس غنيمة .. بعد عشر سنوات حتمًا ستكون أعصابي أهدأ وسأنسى وجود الناس أصلًا ! 

صديقي : إذن لما لا نرى حالك بعد عشر سنوات ؟ 

أنا "بسخرية" : و كيف سنفعلها ؟ 

(يصفق صديقي بيده فيظهر شخص ثالث على الطاولة معنا .. لحظة .. إنه أنا !! لكنه يبدو أكبر سناً !) 

صديقي : ها هو أنت بعد عشرة أعوام .. فلنسمع رأيه ! 

أنا 2030 : لا جديد .. رأيي هو نفس رأي نسختي منذ عشرة أعوام .. الأمور ستسوء أكثر في الأعوام العشرة التالية على أية حال .. 

أنا : لن أحقق أي شيء بعد عشرة أعوام ؟ 

أنا 2030 : لا 

أنا : اللعنة .. 

صديقي "مهدئًا" : لحظة .. لم لا نأخذ رأي نسخة من الماضي لنقل عام 2011 ؟ لعله يكون سبباً في استفاقة كليكما ! 

أنا : لا بأس .. 

(يصفق صديقي مرة أخرى .. تظهر نسخة أخرى .. ياللهول .. كم كنت شابًا حينها !) 

أنا 2011 : هاه ؟ أين أنا ؟ كنت في اجتماع مصيري لترتيب المجلة التي سنصدرها ..أعيدوني بسرعة إلى هناك !! 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا : مازلت تفكر في هذه التفاهات ؟ كبر دماغك .. لن تصل لأي شيء صدقني .. أحدثك بعد نحو عشر سنوات في المستقبل ! 

أنا 2030 : وأنا أحدثك بعد عشرين عامًا .. نفس الرأي .. 

أنا 2011 : لعلكما وصلتما لحلمنا بطريقة أخرى غير المجلات والكتابة ؟ 

أنا و أنا 2030 معًا : لا 

أنا 2011 : اللعنة ! 

أنا : لا تغضب .. ستتعلم كثيرًا في تلك الفترة .. ولن تظل ساذجًا كما أنت الآن ! 

أنا 2011 : إذن لن نغير الواقع ؟ 

أنا : لا .. 

أنا 2011 : على الأقل أصبحت الكتابة هي مصدر رزقي ؟ 

أنا : لا .. 

أنا 2011 : اللعنة .. 

صديقي "مهدئًا" : لحظة .. جميعنا نعرف أن أحلام فترة المراهقة والشباب لا تتحقق غالبًا .. دعونا لا نخرج عن موضوعنا .. نحن نتحدث عن السعادة .. نسختكم الحالية يقول أن اعتزال البشر هو السعادة الحقيقية .. ما رأيك يا 2011 ؟ 

أنا 2011 : لأكون صريحًا لا أعرف .. لا أنكر أني أحن للوحدة أحيانًا .. لكن لتحقيق الأحلام لا بد من وجود البشر ! 

أنا : لازلت حالمًا أحمق ! يا أخي إذا لم تأخذ بنصائح نفسك المستقبلية فأنت معتوه تمامًا ! 

أنا 2011 : لعلك على حق .. لكن ربما يتغير الواقع .. ربما حين أعود لزمني أنجح في تغيير مستقبلي .. لقد انقلب حال البلاد كلها في 18 يومًا من الثورة فحسب .. ولم يكن أحد يتوقعها .. بالمناسبة ما هي أحوال البلاد في ظل الديموقراطية بعد الثورة ؟ 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا 2030 : لا داعي للكلام في السياسة .. قد نجد ضباط أمن الدولة الزمني فوق رؤوسنا الآن .. 

أنا : أمن الدولة الـ.. ؟؟ ماذا !!! 

أنا 2030 : ستعرفه بعد خمس سنوات !! 

صديقي : لعل هذه هي المشكلة ! الفارق الكبير في السنوات بينكم يمنع التفاهم ! لنستدعي نسخة 2016 ! "يصفق بيديه" 

أنا "صارخًا" : لا لا كله إلا هذا ! 

(تظهر نسخة أخرى بشعر ولحية كثيفين) 

أنا 2016 : هاه ؟ أين أنا ؟ ليست هناك قهاوي في مالاوي ! كيف جئت إلى هنا ! 

أنا 2030 : ها قد وصل العبيط .. 

أنا 2011 "بسعادة" : مالاوي ؟ ياللفرحة .. إذن على الأقل حققت حلم العمل في دولة أفريقية ! 

أنا : أصبح المكان مزدحمًا فجأة .. 

صديقي : المواجهة الآن بين نسخ 2011 و 2020 و 2030 وأنت آخر المنضمين يا 2016 .. 

أنا 2016 : مواجهة غريبة .. و "ينظر ليدي ويد 2030" أين الدبلة ! المفترض أن أتزوج حين أعود للبلاد ! 

(أنظر أنا وأنا2030 لبعضنا بسخرية) 

أنا 2011 "بذهول" : زواج ؟ أنا أرفض هذا المبدأ أصلًا ! كيف حدث هذا ! 

أنا 2016 "برومانسية بلهاء" : لقد عثرت على الفتاة الصحيحة .. التي تقف بجواري دائمًا .. وتحبني لشخصي كما أنا .. 

أنا : ياللبلاهة .. 

أنا 2030 "ضاحكًا" : بالعكس .. إن سذاجته مسلية حقًا .. 

صديقي : لكنه سعيد ! هو أسعد نسخة منكم .. وجد الحب والطموح العملي ويواصل العمل في المجال الثقافي أيضًا ! 

أنا : والنهاية ؟ خوازيق متتالية منهم جميعًا ! 

أنا 2016 "بقلق" : ماذا تعني ؟ ماذا حدث بالضبط ؟ 

أنا : في الواقع .. 

أنا 2030 "مقاطعًا بنفاد صبر" : دعه لي .. خطيبتك لا تحبك أصلًا وستتركك .. المؤسسة الخيرية في مالاوي مجرد لصوص .. والكيان الثقافي سينتهي بأسوأ طريقة ممكنة .. 

أنا 2016 : اللعنة ! 

صديقي : لما لا نحاول مرة أخرى ؟ ربما نسخة أخرى و .. 

أنا : توقف لحظة .. 

(أصفق بيدي لتختفي جميع النسخ) 

أنا : لا داعي للمزيد .. كما ترى فكرتك فاشلة تمامًا .. وقد أثبتت وجهة نظري أنا ! 

صديقي "بتعاطف" : أردت فقط أن أساعدك .. أنا قلق عليك .. ! 

أنا : لا تقلق .. صدقني أنا بخير .. ولست بحاجة لتغيير حياتي وتفكيري .. لا رغبة لدي أصلًا .. 

صديقي : لا بأس .. 

أنا "بدهشة" : اقتنعت بهذه السهولة ؟ إذاً ستتركني في حالي ولن تحاول مجددًا ؟ 

صديقي "بمرارة" : أنا لم أحاول أصلاً يا صديقي .. أنظر حولك جيدًا.. أنا تركتك منذ زمن .. أنت بالفعل وحيد تمامًا ! 

نظرت إليه .. لأجده قد اختفى فجأة .. وأمامي شاشة اللاب توب المفتوحة .. والصفحة لازالت بيضاء دون كلمة واحدة ..

Monday, July 27, 2020

محاولات بائسة



محاولات بائسة 

لعلنا وصلنا الآن لمرحلة من الحميمية تسمح لي باصطحابك إلى غرفة نومي .. 

لا يا قليل الأدب .. لا أعني هذا حرفيًا .. بل أعني من خلال سطور هذا الـ.. الـ.. لا أعرف .. لا يمكن اعتباره مقالًا .. لنقل أنه تجربة شخصية .. 

اعتدت مؤخرًا أن أذهب للنوم باكرًا .. 

استلقيت على الفراش .. أطفأت الأنوار .. أغلقت باب الغرفة .. 

التاسعة ليلًا .. 

بدأت أغفو .. والنعاس اللذيذ يداعب عيني .. 

أغيب فجأة في الزمان والمكان .. 

أرى وجوهًا لبشر أكرههم .. مواقف قديمة أحاول نسيانها .. كيف يضبطون مواعيدهم مع مواعيد نومي ؟ لا أعرف .. 

أختنق .. 

مشاعر الكراهية تخرج من عقالها في عقلي الباطن .. 

من هذه ؟ أهي أنتِ ؟ ماذا تفعلين في أحلامي ؟ أنا أكرهك .. لم أكره في حياتي شخصًا مثلما كرهتك .. 

كم أتمنى فقط أن ألقاكِ صدفة لأصب جام بغضي على رأسك .. 

ما هذا ؟ موقف مؤلم حدث منذ أعوام ؟ كنت أظنني نسيتك تمامًا .. ألاعيب العقل الباطن هذه .. 

أين أنا ؟ داخل مبنى متهالك في مالاوي ؟ كيف عدت إلى هناك ؟ 

ما هذا الصوت ؟ كأنه صوت حوافر تضرب الأرض .. 

أنظر خلفي .. اللعنة ! 

إنه الشيطان .. إبليس بنفسه .. لم أره من قبل طبعًا لكن داخلي يقين أنه هو .. 

كائن مخيف .. لا أستطيع تذكر ملامحه تماماً .. لكنه هو .. 

يطرق على الحوائط بأظافره المدببة .. يضرب الأرض بقدميه .. صوت الدقات يفجر رأسي .. هل يحاول إرسال رسالة لي عن طريق شفرة موريس ؟ نقطة .. شرطة .. نقطة .. و .. اللعنة .. أنا أهلوس .. أحاول تفسير رسالة إبليس في الحلم .. كم خطوة بقيت حتى الجنون المطبق ؟ 

المكان ينهار على رأسي .. والشيطان يقترب بخطوات سريعة و .. 

أصحو مفزوعًا .. أكتم صرختي بصعوبة حتى لا يفزع أهل البيت .. 

هذا كابوس يا أحمق .. كابوس .. 

دقات قلبي عالية إلى حد مؤلم .. اهدأ .. ستصاب بأزمة قلبية .. 

أنظر في الساعة لأجد أن الكابوس لم يستغرق سوى عشر دقائق ! 

العاشرة ليلًا .. 

لازلت أحاول النوم من بعد الكابوس .. لا فائدة .. 

الحادية عشرة ليلًا .. 

بدأت رأسي تثقل مرة أخرى .. أخيرًا سأنام .. 

أنا أختنق .. ليس بالذكريات .. بل بالفعل أنا أختنق .. 

لا أعرف ما يحدث بالضبط .. تنفسي سليم .. لكن مخي يعجز عن استيعاب فكرة التنفس .. كأنه نسي كيف يترجم الهواء إلى أكسجين يدخل الشرايين .. 

أغيب في عالم الموتى جزءًا من الثانية .. الأكسجين لا يصل .. الأكسجـ... 

أنتفض فجأة شاهقًا أعب الهواء في صدري عبًا .. ماذا حدث ؟ لا أعرف .. 

لكني كنت أموت غريقًا على سريري منذ ثوان !! 

طبعًا بلغ الأدرينالين في جسدي حده الأقصى .. طار النوم مرة أخرى ! 

الثانية عشرة .. منتصف الليل .. 

ما سر شعور الاحتراق المنتشر في جسدي ؟ 

لا .. ليس الهرش .. بل كأن أحدهم كان يتسلى بإطفاء عيدان الكبريت في جسدي ! 

يمتزج الشعور مع العرق الرهيب كأني أنام في فرن .. 

أحك جسدي بعنف .. بلا فائدة .. الحك يزيد الآلام .. أتوقف حين أشعر أني جرحت نفسي .. 

الواحدة بعد منتصف الليل .. 

فقرة هجوم الذكريات .. 

مشكلتي أن ذاكرتي حديدية .. أذكر المواقف والأماكن والأشخاص والتوقيت .. 

أذكر الكلمات بأصواتها ونبرتها .. 

تهاجمني الذكريات .. الأليمة بالأخص .. 

أحاول الهروب .. لا أريد استعادتها .. لا أريد تلك المشاعر مرة أخرى .. 

لكن عقلي الباطن يضحك ساخرًا .. لن تفلت .. 

ذكريات .. ذكريات .. 

أراها أمامي بالألوان وبجودة HD وشكرًا لمخرجنا الجميل محمد نصر .. 

كيف لم تجف تلك الذكريات ؟ لماذا كلما استعدتها أشعر بنفس ضيق الصدر كأنها حدثت حالًا ؟ 

أستعيد مشاعر الخوف والفراق والتوتر .. كلها تهاجمني .. وقلبي ينبض بعنف .. 

أحاول الخروج من هذا البئر .. لكنه صعب .. صعب .. كلما حاولت الخروج غصت أكثر .. بم يذكرني هذا ؟ آه .. الرمال المتحركة .. أو مصطلح أحمد خالد توفيق العبقري "التورط الأمريكي في المستنقع الفيتنامي" .. 

لماذا ينسى الجميع آلامهم ويمضون في حياتهم بينما لا أستطيع أنا ؟ هل هي لعنة أم سحر أسود ؟هل للنسيان غدة ما في الجسد وقد تعطلت عندي ؟ 

الثالثة بعد منتصف الليل .. 

أنا الآن في مرحلة الهلاوس البصرية والسمعية .. أرمق الشخص النائم بجواري .. المفترض أني وحدي في الغرفة ! 

اهدأ يا أحمق .. أنت تهلوس .. تهلوس .. 

أغمض عيني بقوة وأفتحها .. اختفى .. الحمد لله .. 

بقي الآن أن أتعامل مع الباقين في الغرفة الماثلين أمامي .. كيف اجتمع كل هؤلاء ؟ 

صار النوم في خبر كان .. 

السرير أصبح حارًا .. لم تعد هناك أوضاع نوم مريحة .. 

جلدي يحترق .. حتى صرت أخشى لمسه .. 

أنفاسي ثقيلة .. 

أهلوس بالكوابيس وأنا مفتوح العينين .. أسمع أصواتًا أحاول نسيانها منذ أعوام .. أحاول عدم التفكير في تفاصيل يوم سيء عشته منذ أعوام .. لكنه مصر على مطاردتي حالًا .. 

الرابعة فجرًا .. 

لا فائدة .. 

يوم آخر بلا نوم .. وسأذهب إلى عملي دون أن أرتاح ولو ساعة واحدة .. 

أحاول النهوض .. 

إرهاق عنيف يعصف بي .. كأني كنت أمارس تدريبات عضلية عنيفة .. اللعنة .. 

صداع .. صداع .. 

كل آلام وذكريات الأعوام تهوي بمعاولها على رأسي .. 

يروقني التفكير في الانتحار في هذه اللحظة بالذات .. 

هل يعاني الموتى من الكوابيس ؟ سؤال مهم .. لكن كيف أعرف الإجابة ولم يعد أحد من هناك ليحكي ؟ 

اللعنة .. أنا أهلوس وأتطرف في التفكير .. هذا إحساس يعرفه تمامًا مدخنوا الحشيش .. حين تتشعب كل فكرة في رأسك إلى مليون فكرة .. ويضيع تركيزك تمامًا .. 

أنهض من السرير .. وأستعد ليوم جديد بلا نوم .. أم لعلي نمت وكان كل هذا كوابيسًا داخل كابوس على غرار المسرحية داخل المسرحية في "هاملت" ؟ لا أعرف .. 

محملٌ بكافة آلام وأخطاء وسخافات الماضي .. التي عادت إلى ذاكرتي مجسمة بالألوان الطبيعية .. وتختلط معها الكوابيس مربكة ذكرياتي .. هل حدث هذا فعلًا أم أنه ضمن الكابوس ؟ 

أتذكر بالصوت والصورة كلامًا لخطيبتي السابقة .. هل قالته فعلًا أم أني أملك قدرة مذهلة على تجسيد الكوابيس ؟ 

هل حدث ذاك الموقف فعلًا مع صديقي السابق ؟ أم أنه وليد الهلاوس ؟ 

لا يهم .. لقد عادت كل الآلام وكأنها حدثت بالأمس .. لا يهم أي منها حقيقي .. لن يشكل هذا فارقًا .. 

أنفض رأسي محاولًا طرد الصداع .. ما سر ثقل أنفاسي ؟ 

أتمطع وأتثائب .. وأحاول توقع من سيقول لي اليوم "لا تكتئب .. ارمي ورا ضهرك وعيش حياتك" .. دائمًا ما أجد من يقولها لي .. ترى هل سيكون هذا رأيهم إذا مروا بما أعانيه ليلًا ولو لليلة واحدة ؟ لا أظن .. 

وها هو يوم جديد أحاول إهلاك جسدي فيه نهارًا .. على أمل الفرار من هذه الحفلة الليلية .. بلا فائدة ...

Friday, July 17, 2020

والمزيد من البشر ..



والمزيد من البشر 

كلما تقدمت في العمر لن تدرك هل تزداد حكمة أم حماقة ؟ 

هل تكتشف حقيقة الحياة ؟ أم أنك تغوص في زيفها أكثر ؟ 

طبعاً أتكلم عنك .. أما أنا فعبقري لدرجة كافية أن أدرك أني وصلت للحقيقة .. 

من الحقائق التي أثارت جنوني هم البشر .. 

فالحقيقة الوحيدة مع البشر هو أنه لا حقيقة ! 

أفكارهم محيرة .. ومبادئهم تتجزأ بشكل لا يصدق .. 

دعني أحكي لك بعض القصص الصغيرة التي شهدتها بنفسي .. 

في زفاف أحد أفراد الشلة .. كان أحد أصدقائنا متحمسًا جدًا .. ويسعى جاهدًا لخدمة صديقه في ليلة العمر .. 

يتحرك يمينًا ويسارًا .. يدبر المقاعد لكبار السن .. يوجه "الفوتوجرافر" لتصوير العريس في أفضل اللحظات .. ويبدو سعيدًا ربما أكثر من العريس .. 

شعلة من الطاقة .. وقد أصبت بالإرهاق وأنا أتابع حركته بعيني من مكاني ! 

المهم كنت واقفًا خلف العريس .. حين سمعت أحدهم يقول له مشيرًا لصاحبنا : "صاحبك متحمس أوي" . 

ليرد العريس بغيظ أدهشني شخصيًا : "آه مش عارف ليه بيتعامل كإنه صاحب مكان .. ما يهمد بقى!" 

شعرت بالشفقة على صديقي .. 

تخيل أن تسعى بكل قوتك لخدمة صديقك ظنًا منك أنه سعيد بك .. لكنه يبغضك ويتمنى أن يظرفك شلوتًا ينطرك خارج القاعة ! 

لم أفهم هذا الموقف بصراحة .. لكنه جعلني أفكر ألف مرة قبل التطوع بمساعدة أي أحد .. وياله من تفكير عجيب ينتحر فيه المنطق ! 

موقف آخر كان في أيام الأنشطة الثقافية وإيفنتات رفع مستوى الوعي - هأو – حين تشاجرت مع أحد الحاضرين .. 

كان شخصًا مستفزًا مقيتًا .. وقليل الذوق والتهذيب لدرجة لم أعهدها من قبل حينها .. 

وكان متعصبًا لرأيه لدرجة أنك قد تجد نفسك تحت وابل من صراخه وتقريعه إذا كان رأيك مخالفًا له ! 

المهم أني ذات يوم فاض بي الكيل .. وبلغ السيل الزبى .. .. وبلغت روحي الحلقوم .. أو أي تعبير آخر يروق لك .. 

فرددت على قلة ذوقه بمثلها .. ونشبت بيننا معركة كلامية عنيفة .. انتهت بتركي للمكان .. 

فقط لأكتشف بعد ربع ساعة أني طلبت هناك قهوة ونسيت أن أدفع ثمنها .. فعدت أدراجي لأجد ذاك الشخص قد جمع حوله كل الحاضرين ولازال يصرخ !! 

كان يشتمني ويتهمني بأني مريض نفسي .. ومجنون .. ووغد .. وكل ما يخطر ببالك .. 

حاولت أن أتكلم .. يا عم خلاص .. يابا خلاص .. انت لسة فيك حيل ! 

لكن هذا لم يزده إلا غيظًا ورمقني بنظرة مجنونة .. وتناثر لعابه في وجهي وهو يصرخ أني يجب أن أخضع لعلاج نفسي قبل أن أكلمه ! 

تجاهلته تمامًا معتبرًا أن الجميع حتمًا يعلم كم هو وغد .. ولن يسمع أحد ما يقول .. ولعلهم يحاولون تهدئته فحسب لأنهم أناس طيبون .. ! 

لكني فوجئت بعدها بمعاملة باردة من الكل .. بما فيهم خطيبتي السابقة التي كانت ضمن الحضور ! 

والأسوأ أنهم كانوا يعاملون هذا الشخص بصورة طبيعية كأن لم يكن ! 

واكتشفت أنهم جميعًا مقتنعون أني مخطئ من ساسي لراسي .. ولعلي مريض بالفعل ! 

وحين سألت خطيبتي عن هذا العته .. قالت لي : "قد يكون هو متعصبًا نوعًا .. وقليل الذوق قليلًا .. لكنك أخطأت حين رددت عليه" ! 

أصبت بنوع من العته الذهولي حينها .. 

هو شخص سيء لكنك حين رددت عليه أصبحت أسوأ منه .. لذا غضبنا منك ولم نغضب منه .. يا حلاوة !! 

أين المنطق ؟ انتحر مرة أخرى للأسف ! 

دعك طبعًا من خطيبتي الثانية التي حين قررت فسخ الخطبة .. أخبرتني أن السبب أني شخص كئيب إلى درجة لا تطاق .. وحين ذكرتها أنها أكثر كآبة مني .. وأنها حين عرضت عليها وظيفتان في وقت واحد كانت تبكي طوال اليوم لعجزها عن الاختيار .. وأني قضيت عامين تقريبًا لا أفعل شيئًا إلا محاولة إخراجها من الاكتئاب .. كان ردها بمنتهى البساطة "أنا كئيبة طبعًا .. فعايزة حد فرفوش يغير مودي مش حد كئيب برضه" .. صفقت انبهارًا بالرد المعجز في الحقيقة .. وهذه المرة مات المنطق رميًا بالرصاص .. 

يمكنني أن أحكي لك عشرين قصة أخرى عن لا منطقية البشر .. وعدم وجود نمط منتظم لتفكيرهم .. لكن هناك مشكلة أخرى .. 

قد تكون قد تعاطفت معي في القصص السابقة .. وربما قررت أني على حق تمامًا .. 

لكن ماذا سيحدث إذا سمعت نفس القصص من منظور الطرف الآخر ؟ 

قد يحدثك العريس في القصة الأولى عن سخافة صديقنا .. وأنه كان يحشر أنفه في كل شيء أكثر من اللازم .. وأنه كان مزعجًا للمدعوين بشكل لا يوصف .. 

قد يحدثك أوغاد الوسط الثقافي عن سخافتي في الرد على المتعصب المجنون .. وكيف أني كنت أترصد له الأخطاء في حين أنه لم يكن بهذا السوء الذي أدعيه .. وربما يحدثونك عن سخريتي المقيتة من الحاضرين .. وأنهم جميعًا لم يكونوا يميلون لشخصي .. وكانت هذه العاركة هي القشة التي قصمت ظهر البعير ! 

قد تحدثك خطيبتي الثانية عن كآبتي وعدم اهتمامي بمظهري .. وزيادة وزني وعصبيتي الدائمة .. وعن ظروفي المادية المنيلة وكيف أنها تحملتها ولم تطالب بأي شيء .. 

المشكلة أنك قد تصدقهم أيضًا .. وتنقلب من الدفاع عني إلى الدفاع عنهم .. وأنتقل بالنسبة لك من خانة الملاك إلى خانة الشيطان بسرعة البرق .. 

إذن كيف يمكن للشخص التأكد إذا كان على حق أم لا ؟ ما هو المقياس ؟ 

هل هم البشر ؟ البشر ينقلبون في جزء من الثانية .. 

هناك مثل صيني قديم يقول أن القلوب تتبدل مع اتجاه الرياح .. حقيقة .. 

إذا كنت تعتمد على رأي الأغلبية في تكوين آرائك فإما أن تجن .. أو تصبح مجرد إمعة بلا رأي .. 

فما بالك لو كنت تحكم على نفسك من خلال حكم الآخرين عليك .. ! 

ستجد نفسك عاجزًا عن تقييم شخصيتك .. هل أنت شخص جيد أم سيء ؟ 

حتى لو حكيت مشاكلك لأصدقائك .. وساندوك بحماس وأكدوا أن خصمك مخطئ ووغد وابن كلب وشاذ جنسيًا .. كيف تتأكد أنك كنت أمينًا في نقل التفاصيل .. ولم تتدخل وجهة نظرك في طرحك للمشكلة ؟ 

ما الذي يضمن لك أنهم إذا استمعوا لوجهة نظر الطرف الآخر فلن ينقلبوا عليك وتصبح أنت ابن الكلب في الموضوع ؟ 

بل ماذا سيحدث إذا وضعت أنت نفسك مكان الطرف الآخر .. هل سيتغير رأيك في نفسك ؟ هل ستتغير أفكارك ؟ 

هل ارتبكت ؟ ولم تعد تفهم شيئًا ؟ 

إذن لألخص لك المقال في ثلاث كلمات قلتها مرارًا من قبل .. 

ابتعد عن البشر .. 

وشكرًا .. 


Thursday, July 9, 2020

مقال ضد الدين ..



مقال ضد الدين 

كانت غلطة حمقاء .. 

نعم .. 

أخطأت حين عدت للكتابة عن الشأن العام .. 

فالتعليقات والآراء على المقال السابق .. وعلى الفيسبوك في الفترة الأخيرة كانت كفيلة برفع ضغط دمي إلى أرقام فلكية .. وجعلتني أبحث عن حذائي .. لا لأضرب به المعارضين .. بل لأضرب نفسي بها لأني خرجت من قوقعتي وقررت إبداء رأيي .. 

على أية حال من السهل دائمًا أن تعيش دور حامي حمى الدين طالما لا تفعل أي شيء إلا بعض البوستات العبيطة على الفيس بوك .. فإذا كانت البوستات تريح ضميرك وتسمح لروح صلاح الدين الأيوبي أن تتلبس جسدك الفاني .. فافعل يا صديقي .. لكن دون أن تشكك في ديني إذا سمحت .. 

ولا داعي لتعليقات من نوعية "انت مش عاجباك الشريعة الإسلامية ولا إيه ؟" .. فأنت تعرف أن رأيك في شخصي يهمني لأنك شخص عظيم ومهم .. ولا أستطيع النوم ليلًا إلا حين أطمأن أنك منحتني بركاتك المقدسة .. 

لا أعرف .. لعل أحد أسباب ما وصل إليه تفكيرك هو الجهل .. فلم يعد أحد يقرأ هذه الأيام .. وأصبحت فيديوهات اليوتيوب بديلًا كارثيًا للقراءة ! 

لا تغضب .. أنا قلت أنه واحد من الأسباب فقط .. 

أما اليوم فقد قررت أن أرد على كل من هاجمني بهذا المقال المهم .. مقال ضد الدين .. 

نعم .. أنت مهم وخطير فعلًا يا صديقي .. وتستحق أن أكتب مقالًا كاملًا للرد على رأيك .. وضد الدين ! 

وأصل الحكاية أنه منذ أعوام عديدة في جمهورية ناورو التي تقع في أرخبيل مايكرونيزيا .. ظهرت مجموعة تدعو إلى ديانة جديدة تدعى "الزنزدية" .. أتمنى أن أكون قد ترجمتها بشكل صحيح ! 

هذه الديانة العجيبة تحرم على متبعيها الأكل المطبوخ ! 

نعم .. تخيل أن تقضي حياتك كلها لا تأكل إلا الخضروات الطازجة والفاكهة .. وإذا كانت نفسك حلوة يمكنك التهام اللحم نيئًا دون طهي ! 

لذا قررت أن أعلن رفضي لهذا الدين .. وأني ضده على طول الخط .. 

وهذا عن طريق ترشيح عدد من المطاعم لك في الاسكندرية .. حيث يمكنك تناول أشهى المأكولات المطبوخة .. 

ولتذهب الزنزدية إلى الجحيم .. "إذا اتضح أن أحد الزنزديين المتدينين يقرأ هذا المقال فسأمزق شراييني" .. 

ما تيجي نشوف ؟ 

أولًا : مطعم أولاد عبده – شارع العطارين : 

لم أؤمن يومًا بمقولة "العين تأكل قبل الفم" .. التي تدعو لتزيين أطباق الطعام وتقديمها في صورة فاخرة .. 

ما فائدة طعام فاخر الشكل لكن مذاقه سيء أو كميته قليلة ؟ 

ومطعم أولاد عبده هو نموذج لخطأ هذه المقولة .. 

هو ليس مطعمًا بالمعنى المفهوم .. هو محل بقالة في الأساس .. لكنه يحوي "فاترينة" ساندوتشات ترى من خلالها عدة صواني كئيبة المنظر .. ويقف خلفها شخص ضخم الجثة رث الثياب .. 

ستتقدم وترى قائمة الأصناف المكتوبة على لوح ورقي ممزق .. وستخبر الضخم بما تريده من ساندوتشات .. وتأكل على الواقف ! 

لحم بالجبن .. لحم بارد .. جمبري .. جبن .. دجاج .. كفتة .. كبدة .. سدق .. 

سيقدم لك "سيرفيس" بائسًا يشبه ذلك الذي في السجن .. مع فارق مهم أن سرفيس السجن يتم غسله بانتظام .. 

لكن كل هذا البؤس سيختفي تمامًا حين تتناول أول قضمة .. ! 

إحساس لن تشعر بمثله أبدًا ! 

شعور الإغريق حين رأوا "بندورا" .. أول امرأة في التاريخ .. 

لعل هذا ما شعر به الإنسان البدائي حين رأى شروق الشمس للمرة الأولى .. 

هو خيال حشاس في جلسة أنس في غرزة قذرة .. 

أي سحر يضعه هذا الرجل في ساندوتشاته البائسة تلك ؟ 

سحر قد لا تفيق منه إلا وأنت تتناول الرغيف الخامس عشر .. وتتساءل كم واحد آخر ستطلب ! 

المشكلة الحقيقية أنك ستنسى العدد .. وهي أزمة عارمة حين يأتي وقت دفع الحساب .. فقد تفاجأ بمبلغ رهيب يفوق ما بجيبك ! 

لذا أنصحك أن تصطحب صديقًا صائمًا معك .. ليوقفك عند حدك كما يفعل من يتعاطون عقار الهلوسة .. 

أذكر أني اصطحبت مجموعة من أصدقائي إليه .. وظللنا نأكل دون توقف حتى أننا دفعنا مبلغًا فلكيًا يكفي طلعة إلى الساحل ! 

ثانيًا : ملك الفول بالسدق – قرب قهوة فاروق : 

المحدثون والهواة قد يكلمونك عن مطعم "صواريخ" في بحري ..كرمز لمحلات الشطائر الشعبية .. 

لكني محترف وخبير .. وأقول لك أن صواريخ سيء فعلًا .. 

عليك يا صديقي بملك الفول بالسدق .. 

محل بائس صغير قرب الترام عند قهوة فاروق .. يقف فيه شاب ملتح بشوش .. 

طبعًا من الواضح أنه مشهور بساندوتشات الفول بالسدق .. هو الوحيد الذي يقوم بفرم السدق مع الفول .. لتتناول مزيجًا قد يشعرك بالرضا عن حياتك والكون بأكمله ! 

ولا تنسى الكفتة ! 

أقراص الكفتة المشوحة على الجريل مع الفلفل الحار والبصل .. ويقدم لك طماطمًا متبلة لا مثيل لها فعلًا ! 

والفلافل المتقنة .. لا تنقص عجينتها جرامًا من الخضر أو الفول المدشوش .. ولولا المبالغة لقلت أنه يقف أمام المقلاة حاملًا "ستوب ووتش" كما كان يفعل الأخوان ماكدونالدز في مطعمهما الأول لضمان جودة القلي ! 

الآن أظنك تريد تحلية بعد الوجبة .. تقول لي نذهب للشيخ وفيق ؟ غشيم ! 

تعال نتعمق في بحري أكثر .. 

ثالثًا : عليكا – الأنفوشي 

محل قذر آخر .. لا تذهب هناك بسيارتك لأن المكان خطر فعلًا .. 

ستشتري منه ألذ طبق أرز باللبن ستأكله .. طبق ؟ لا ليس طبقًا .. بل حلة ! 

سيبيعك حلة رز بلبن صغيرة وبسعر لن تصدقه .. غارق في القشطة وعسل النحل .. 

سينزل الأرز باللبن كالبلسم داخل معدتك فوق أكوام السدق واللحم بالجبن والكفتة .. وستتطاير العصافير من حولك مثل سنو وايت وهي تغني .. وستشعر بنسمات باردة كأنها من الجنة رأسًا !! 

إذا شعرت بالوخم بعدها .. يمكنك أن تتمشى حتى محطة الرمل وتذهب إلى بن العميد و ... 

لكن القهوة والقهاوي موضوع آخر .. قد أحتاجه إذا اختلفت مرة أخرى مع الأخوة حاملي مفاتيح الشريعة .. لنأجله إذن .. 

وآخر كلمة للجماعة الزنزديين ... عليكم اللعنة يا كفرة .. 


هكذا تكلم زرادشت ! 

سلام 







Friday, July 3, 2020

الحرب على الدين


الحرب على الدين !

أنت تعرفني .. لا أبالي لحظة بالأحداث المحيطة .. وأؤمن بشدة بمقولة بوذا العبقرية "فلتزأر العاصفة" .. 

خاصة أني لا أملك من حطام الدنيا شيئًا .. لا زوجة ولا ولدًا أخشى عليه من المستقبل ! 

كما أني لم أقتنع يومًا بضرورة إبداء رأيي في أي أمر .. خاصة مع علمي الكامل أنه لن يغير شيئًا ! 

لكني ـ كأي عبقري آخر ـ أكره الغباء والجهل .. وبالأخص الجهل بالتاريخ .. 

وأصل الحكاية أن هذه الأيام تشهد حملة شديدة من الهجوم على الثوابت .. 

دعم الشذوذ الجنسي والإلحاد في مخالفة صريحة لتابوهات الجنس والدين .. 

وعلى الجانب المضاد حملة عنيفة من المقاطعة و الإنكار والغضب والقابضين على الجمر و.. 

بصراحة أنا لا أهتم بأي من الطرفين .. ورأيي أن كل واحد أدرى بأفضل استخدام لثقوبه .. وأن الدين علاقة رأسية بين الإنسان وربه .. وليست علاقة أفقية بينه وبين الناس .. طالما أن كل الأطراف تعاملني باحترام .. ولا يجبرونني على اتباعهم ببساطة .. 

لكن رأيي لا يهمك .. ولا يهمني أن تقتنع به .. 

لكني أريدك أن تهدأ قليلًا .. وتفسح صدرك لتستوعب ما سأقول .. 

كما قلت من قبل .. منذ أعوام تعاملت مع الوسط الثقافي .. 

كانت الموضة حينها هي الصوفية .. 

وكانوا يتحمسون جميعًا حين تستضيف مكتبة الاسكندرية حفلًا للمولوية الصوفية .. ويتفقون جميعًا على حضورها مهما كان الثمن .. 

وفي تعاسة كنت مجبرًا على مشاركتهم خاصة أن خطيبتي حينها كانت أكثرهم حماسًا .. 

وهكذا كنا نذهب للحفل جيشًا من عشرين فردًا على الأقل .. 

كنت أجلس وسطهم .. لا أفهم شيئًا مما يحدث .. ويسقط رأسي غافيًا وصوت غطيطي يتصاعد كقطار الصعيد .. وأستيقظ مفزوعًا كعادل إمام في الأوبرا في فيلم "عريس من جهة أمنية" !! 

وكان كل واحد منهم يؤكد في حماس أنه صوفي متعصب ! 

بعد أعوام انقطعت علاقتي بهم .. وقررت أن أبحث لأعرف أخبارهم .. 

فوجئت أن معظم الفتيات خلعن الحجاب .. ومعظم الشباب أعلنوا إلحادهم !! 

والصوفية يا أخ ؟ الصوفية يااااا .. ؟؟؟ 

لا .. لم تعد موضة .. ولم تعد مكتبة الاسكندرية تنظم حفلات لها .. 

ولعلهم الآن يحاولون التحول إلى مثليين جنسيًا .. ستكون هذه مشكلة عويصة للمتزوجين منهم كما تعلم .. لكنهم سيجدون حلًا ما حتماً .. 

هل شاهدت أفلام السينما في أواخر الستينات وبدايات السبعينات ؟ 

لو لم تكن تعلم .. فالسينما في الماضي كانت هي وسيلة التواصل الاجتماعي .. والتريندات تظهر منها .. 

كانت أفلام هذه الفترة أفلامًا إباحية دون زيادة أو نقصان .. وستجد معظمها على النت مسبوقًا بعبارة "الفيلم الممنوع من العرض" .. 

كان هذا مطلوبًا حينها لشغل تفكير الناس عن نكسة 67 .. وظهرت ممثلات وقتها لا يملكن أي موهبة سوى الجمال الفتان .. ويتم استضافتهن اليوم في البرامج بمسمى "الفنانة القديرة" .. ! 

هل تذكر بدايات الألفية ؟ 

شهدت هذه الفترة ظهور مجموعة من الدعاة الجدد .. مثل عمرو خالد ومن بعده مصطفى حسني وآخرون .. 

كما شهدت هذه الفترة زيادة تدين الشباب .. وصار نادرًا أن ترى فتاة غير محجبة .. أو شابًا لا يصلي بانتظام .. كما اعتزل عدد من الممثلون والممثلات .. منهم من شارك في أفلام الستينات الإباحية .. 

هل نعود للوراء قليلًا ؟ ما رأيك حين ظهرت موضة الميكروجيب في زمن الأبيض والأسود ؟ حين كان بار الخمور في كل بيت بدلًا من النيش ؟ 

نعود للوراء أكثر ؟ أيام انحطاط الدولة الأموية والعباسية ؟ 

هل فهمت ما أريد قوله ؟ 

ماذا ؟ لم تفهم ؟!! 

يا أخي قلت لك منذ قليل أني أكره الغباء ! 

ما أريد قوله هو اهدأ قليلًا .. اهدأ يا حبيبي .. 

لا داعي لإغراق الفيس بوك ببوستات الإدانة والهجوم والدفاع عن الدين .. 

دعك من أنها لن تغير شيئًا .. ولن يقرأها سوى أصدقائك الذين يوافقونك الرأي .. وتصيب من يكبرون دماغهم مثلي بالملل والصداع ! 

هذه ليست حملة ضد الدين .. هي مجرد موضة مثلما حدث في كل الأمثلة السابقة ! 

سيظهر مؤيدون ومعارضون حول العالم .. نعم حتى في أمريكا نفسها هناك معارضون .. ألم أقل أنك جاهل ؟ 

وسيصاب الجميع بالملل سريعًا .. وسيجمع الملحدون بعضهم في أماكن مغلقة ليتظاهروا فيها أنهم أذكى من الحمقى الآخرين .. 

وسينحصر الشذوذ في غرف النوم المغلقة .. 

ولن يجبرك أحد على حضور جلسات الملحدين .. ولن يصطحبك الشواذ في غرف نومهم ! 

يا حبيبي نحن في عالم مفتوح الآن .. مليارات من البشر ! 

كن قريبًا ممن يماثلون تفكيرك .. ولتربي أبناءك وسطهم ببساطة ! 

هناك قناة تعرض أفلامًا عن الشذوذ ؟ لا تشاهدها ! 

هناك كاتب ملحد يغرقنا بمقالاته ؟ لا تتابعه ! 

أنت أتفه من أن يجبرك أحد على شيء ! 

ظهر الإلحاد وظل هناك متدينون كثر .. عاشت مصر فترات من العري والخمور وظل هناك متدينون بل واحتلوا الواجهة معظم الأوقات ! 

كان هناك كفرة وملحدون وشواذ في كل العصور .. وفي عصور كل الأنبياء .. 

ستقول لي قوم لوط ؟ أعرف .. لكنهم هلكوا وظهر شواذ آخرون وآخرون ! 

انتشر الإسلام وانتصر وكان معظم العالم يعبدون التماثيل ! 

إذن فانتشار الكفر لم يمنع انتصار الدين .. ببساطة انتصر الأفضل والأقوى ! 

المتدينون الآن ضعفاء ؟ نعم .. هذا يحدث وسيظل يحدث .. فلا أحد يبقى على القمة طوال الوقت ! 

وسيأتي زمن آخر تعلو فيه كلمة الدين .. 

أنت نفسك بعد عشرين عامًا من الآن ستترحم على هذه الأيام وستؤكد أنها "الزمن الجميل" .. وستعاير أبناءك أن "ده انتوا جايل ضايع" .. كما يعايرك والدك الذي كان يرتدي البنطلون الضيق والقميص الوردي مفتوح الصدر في السبعينات !! 

في كل عصر هناك المتدينون والملحدون .. المحافظون والمنحلون .. الأبيض والأسود .. بهذا يتوازن الكون .. 

لعلك تشعر أن المؤامرة عالمية لأن العالم انفتح على بعضه وأصبح سهلًا أن تعرف كيف يعيش الناس في الدول الأخرى .. لكني أؤكد لك .. ما يحدث الآن حدث في الماضي وسيحدث في المستقبل ! 

فاهدأ يا حبيبي .. ولا تتقمص دور حامي حمى الدين .. وتصدعني بحزقك للدفاع والشجب والإدانة .. 

أنت ضعيف .. ولا أحد يهتم برأيك ولا يقرأه أصلًا .. فلا تصدعنا بالله عليك بآرائك .. 

اغلق بابك على نفسك حتى تمر العاصفة .. فلا شيء تفعله سيغير أي شيء .. 


Friday, June 19, 2020

الكابوس



الكابوس 



في حلمي .. 

يغني الأطفال أغنية حب لكل ولد وبنت .. 

السماء زرقاء .. الحقول خضراء .. 

والضحكة هي لغة العالم الموحدة .. 

*** 

المكان : أرض واسعة جوار قرية "بوانا" – مدينة زومبا – دولة مالاوي 

الزمان : أول أيام عيد الأضحى 

*** 

رائحة الدماء اللعينة !! 

كنا نشارك جميعًا في ذبح وتوزيع الأضاحي في ذلك الجانب المظلم من العالم .. 

كنت مديرًا للمشروعات الإنشائية هناك في تلك المؤسسة الخيرية التنموية .. لكن ضخامة عمل الأضاحي وكثرة المتبرعين هذا العام دفعنا جميعًا لنسيان تخصصاتنا والنزول للمشاركة .. 

اخترنا قطعة أرض فسيحة وأحطناها بسور خشبي لنبدأ تخزين قطعان الماعز والأبقار المطلوبة .. وقمنا بتقسيمها لساحات ذبح وساحات تنظيف وتعبئة لحوم وساحات تحميل السيارات لتبدأ التوزيع .. 

يحيط بالسور سكان القرى المجاورة البسطاء .. يشاهدون بأعين خرساء جبال اللحوم التي يستحيل أن يروها في أي مكان .. كنت أرى الفقر المدقع تحت كل حجر في هذه البلاد .. 

ويتصايح الأطفال السود "آلويا .. آلويا" كعادتهم كلما رأونا .. سألت عن معنى هذه الـ"آلويا" فأخبروني أنها تعني (المحاربون) .. 

في ذلك الوقت كنت أتعامل مع سفري كمغامرة لطيفة .. كيف لا والمناظر الطبيعية تحوطنا من كل جانب ؟ ونعيش في مقر فسيح تحيط به حديقة غناء ! 

المكان كخلية نحل .. 

الجزارون يحملون السكاكين .. وبدأت أكوام اللحم تزداد .. وقرب السور تعلو كومة من القاذورات ونواتج تنظيف اللحوم .. 

وأنا وزملائي نشارك في الذبح و نصور لكل ذبيحة مقطعًا قصيرًا ليرسل لمن تبرع بثمنها .. 

تواصل الشمس رحلتها في السماء .. وغرقنا في مزيج رهيب من العرق والدماء .. 

لك أن تتخيل أن عدد الذبائح تجاوز الألف وخمسمائة ! 

وقفت للحظات لألتقط أنفاسي قبل أن نبدأ ركوب السيارات للذهاب في رحلة التوزيع المرهقة .. 

وقف صديقي "شادي" بجواري .. يتأمل الجبال المكسوة بالخضرة من حولنا .. 

ظروفنا وسننا متقاربان .. محاسب هو .. جاء مثلي إلى أقاصي البلاد بحثًا عن رزقه .. 

تبادلنا أطراف الحديث .. وشعور بالرضا والإنجاز يداعب حواسنا .. 

حين سمعت فجأة أصوات صراخ وشجاراً بلغة "شيشيوا" المحلية .. يتصاعد من ساحة تنظيف وتعبئة اللحم .. فنظرنا نحوها .. لأجد المشهد الذي سيزور كوابيسي لأعوام عديدة تالية .. 

*** 

ثم استيقظت وكل ما رأيت .. 

هو عالم مليء بالمحتاجين .. 

قل لي لماذا ؟ 

هل علينا أن نكون هكذا ؟ 

ما الذي فاتني ؟ 

فأنا لا أفهم .. 

لماذا يحتاج الكثيرون المساعدة .. ولا أحد يقدمها لهم ! 

*** 

شادي !! هل ترى ما أراه !! القرويون يتشاجرون !! 

يتشاجرون حول كومة نواتج تنظيف اللحم !! 

يدوسون بعضهم على أمل الحصول على نصيب منها !! 

شادي إنها ليست حتى أمعاء ولا حتى ما يسمونها "حلويات الذبيحة" فحتى هذه يتم توزيعها.. إنها قاذورات ! 

إنهم يتشاجرون للحصول على زبالة .. زبالة يا شادي !! 

مجرد جلد وأوساخ وعصارة خضراء من ناتج هضم آخر وجبة للبهائم !! 

حاولت أن أرفع الهاتف لأصور المشهد .. لكني عجزت .. 

هل هي القيامة ؟ هل قامت الساعة ؟ 

كيف لم تحرقنا صاعقة حتى الآن ؟ 

رجل عجوز جرح رأسه في المعركة .. لكنه يتجاهل الدماء .. وينقض على قطعة قذرة من الجلد .. يرفعها ويصرخ صرخة الانتصار .. لكن امرأة تنقض عليه وتخطفها من يده وتهرب .. ! 

يتردد في أذني صوت "ديكلان جلبرايث" .. قل لي لماذا ؟ 

*** 

أتسائل كل يوم .. ماذا أفعل لأصبح رجلًا ؟ 

هل يجب أن أقف وأقاتل ليرى الجميع من أنا ؟ 

هل هذا هدف حياتي ؟ 

أن أضيعها في عالم مليء بالصراعات ؟ 

قل لي لماذا ؟ 

هل علينا أن نكون هكذا ؟ 

ما الذي فاتني ؟ 

*** 

نحن هالكون .. 

نحن في عالم ملعون .. 

أي عالم هذا ؟ 

أي عالم هذا الذي يرفل فيه أناس في النعيم .. ويتشاجر آخرون حول من سيأكل قاذورات أكثر ؟ 

لماذا يتركهم الله ؟ 

قالوا أن الله عادل .. 

من يواجه الظلم في بلادي يؤكد أن الله عادل وسيأتيه حقه .. 

فهل يترك الله هؤلاء الجياع ويعوضك أنت عن وظيفتك أو عن خطيبتك التي تركتك ؟ 

نظرت إلى السماء .. 

يا الله .. أنت غاضب !! 

إذا غضبت على قرية أمرت مترفيها أن يفسدوها ويفسقوا في الأرض !! 

لماذا تذكرت الآن مقولة "العالم أصبح قرية صغيرة" ؟ 

الله غاضب ... جميعنا سنعاقب .. 

العالم الذي يحوي هذا المشهد لا يستحق ذرة من الرحمة !! 

طفل صغير سقط وسط المعركة .. ورأيت بأم عيني رجلًا يدهسه بقدمه الضخمة ليخطف قطعة قذارة أخرى .. 

*** 

قل لي لماذا ؟ 

هل علينا أن نكون هكذا ؟ 

ما الذي فاتني ؟ 

فأنا لا أفهم .. 

لماذا يحتاج الكثيرون المساعدة .. ولا أحد يقدمها لهم ! 

*** 

لا قيمة لأي شيء .. 

أي خطة أو طموح أو أحلام لا تشتمل على مساعدة هؤلاء هي ببساطة لا تساوي شيئًا !! 

ماذا أفعل هنا ؟ 

من أخدع ؟ 

أنا هنا من أجل المال .. 

أنا أتاجر بمعاناتهم لأحصل على راتبي لأعود لخطيبتي وأشتري جرامات عديدة من الذهب وشقة مناسبة للزواج !! 

أي تفاهة هذه ؟ 

البحث عن وظيفة والزواج والأولاد ؟ هل هذه أحلامك ؟ 

هل تجرؤ أن تطلب من الله هذه التفاهات وهناك من يموتون جوعًا ؟ 

ما هذا العالم ؟ 

كيف يعلم الجميع أن هناك من يعيشون بهذا الفقر .. ويتابعون حياتهم وأحلامهم التافهة ببساطة ؟ 

أنا أرفضه .. لا أريده !! 

كيف أعيش وأنا أعرف أن هناك من كادوا يقتلون بعضهم ليأكلوا قاذورات قد أتقيأ إذا أمسكتها بيدي !! 

بدأت أصرخ بالعربية .. 

توقفوا !! توقفوا !! 

سنوزع عليكم لحومًا حقيقية بعد قليل !! 

لا تفعلوا هذا بالله عليكم !! 

لا تفعلوا هذا بي !! 

علا صوتي تزامنا مع صراخ (ديكلان) في ذهني .. 

لكنهم حتى لم يسمعوني .. 

امرأة محجبة سقط حجابها .. 

لم تهتم .. انقضت على البقية محاولة انتزاع قطعة أخرى من القاذورات .. 

*** 

لماذا ؟ لماذا لا نتعلم أبدًا؟ 

لماذا نتظاهر أننا نهتم ؟ 

لماذا فقط نقف ونحدق ؟ 

ألسنا جميعاً متماثلين ؟ 

لماذا إذن نلقي اللوم على الآخرين ؟ 

*** 

انتهت المعركة .. واختفت كومة القاذورات .. وعاد كل واحد إلى بيته حاملًا غنيمته .. 

شعور بالعجز سيطر علي .. 

أن تعلم بوجود الفقر أمر .. وأن تراه بعينيك أمر آخر .. 

كراهية عارمة للعالم أجمع .. وصبغة سوداء سالت لتلون كل الموجودات من حولي .. 

عجزت حتى عن مسح دمعة شاردة سالت على خدي .. 

استدرت ورحلت ... عالمًا أني تغيرت منذ هذه اللحظة .. وإلى الأبد ... 

*** 

فقط أخبرني لماذا ؟ لماذا ؟ 

لماذا لا ينتهي كل هذا ؟ 

لما لا نكون أصدقاء فحسب ؟ 

*** 

أغنية tell me why المذكورة في المقال